الثلاثاء، 9 نوفمبر 2010

شريف و سارة ... أو سارة و شريف



سارة : بص في عنيا
بتحبني
شريف : بموت فيك
سارة : هاسألك سؤال و ترد بصراحة
شريف : ( في سره ) ربنا يستر و يجيب العواقب سليمة
إسألي يا حياتي
سارة : إنت كان ليك علاقات قبل الخطوبة
شريف : ( ينظر إلى عينها بكل حنان الدنيا ) حبيبتي إزاي تقولي كده ؟؟؟
ما إنت عارفة أنا كنت خاربها
سارة : ( على وجهها علامات الدهشة ) إيه بتقول إيه ؟؟
شريف : يعني أنا كنت مقطع السمكة و ديلها و مصمص الشوك و واكل الجلد و محلي بالراس
بس كل ده يا حبيبتي قبل ما أعرفك، لكن من النهاردة أوعدك مفيش غيرك في حياتي
سارة : وعــد
شريف : ( غامزاً بعينه ) وعــد
كانت هذه هي إحدى الجلسات الودية القليلة بين شريف و سارة ، أما باقي الجلسات فكانت غالاً ما تحمل في جنباتها الكثير من المعارك، و القليل من التفاهم، ليس عيباً في علاقتهما، لكنه الطبع الحاد لسارة و الماضي الأسود لشريف.
حتى نعرف الحكاية من أولها دعوني أخبركم عن شريف لأنه كان زميلاً لي أثناء الدراسة الجامعية، شاب وسيم له صوت رائع، ليس بالطويل أو القصير، ليس بالنحيف أو السمين، بمعنى أبسط كان شاباً مثالي المعالم، لذلك كان قبلة لكل الفتيات اللاتي تبحثن عن شاب يكون صديقاً لهن، شريف كان مغرماً بمثل هذه العلاقات، فكنت دائمأً ما آراه سائراً ما إحدى الفتيات، ثم يتركها ليتحدث إلى الأخرى، ثم يتركها لأنه ذاهب في مشوار مع أخرى، ثم يتركها لأنه لديه موعد مع أخرى، ... و دائماً ما كانت الأخريات كثيرات .... جداً، كأنهن مادة لا تنضب أبدأ.
فجأة و بدون مقدمات قرر هذا الشاب المتعدد المواهب أن يعتزل هذه الحياة المليئة بالأخريات، السبب أنه وجد أخيراً من تعوضه عن كل ما سبق، و كأنه كان ينغمس في علاقات وهمية فقط ليبحث عنها، و أخيراً وجدها، إنها سارة، تلك الفتاة التي إنتقلت إلى الكلية حديثاً محولة من كلية أخرى، و لأنه إنسان محظوظ فإن إسمها كان سارة، بمعنى أن إسمها كان قبله في الكشوفات الرسمية، بذلك أصبحا متلازمين في توقيت جميع المحاضرات و السكاشن، محظوظ محظوظ محظوظ  يا ولدي.
بسرعة البرق نشأت بينهم علاقة زمالة و تحولت إلى صداقة و تطورت إلى ما بعد الصداقة بقليل، هو لن يفرط فيها أبدأ، هذا ما قاله لي بعد شهر واحد من إنتقال سارة إلى الكلية، و لأني كنت صديقه الصدوق منذ المرحلة الإعدادية فكانت كل أسراره و فضائحه عندي، كل أفكاره و أحساسيه على علم بها، أخبرته أن هذه الفتاة ليست كالأخريات، قال لي أعلم، هي بالنسبة له أيضاً ليست كالأخريات، هي كل الأخريات، هي كل الحياة، هي كل الكلام الرائع اللانهاية له، هي كل ما كان يحلم أن يكون متوافراً في فتاة أحلامه، هي زوجته المستقبلية.
علمت أن شريف صادقاً في مشاعره تجاه هذه الفتاة، بدون أن يطلب منه أحد بدأ بالتغير، بدون مقدمات أو ترتيب أو تهاون، أنهى كل ما كان غريباً في حياته، كل ما كان خطأً، كل ما كان شاذاً، كل ما يمكن أن يسبب صدمة لسارة، صارحها بحبه و بادلته الصراحة، هي تشعر به لكنها خائفة، فسمعته تسبقه، و زميلاتها لن تفوتهن فرصة التحدث عن شاب بأنه كذا و كذا و كذا و يا دايهة دوقي، أخبرها أن كل ما قيل كان صحيحاً، لن ينكر لأنه لن يبني سعادتها على كذب، لكنه كان قد تغير بالفعل، أخبرها بذلك، وصدقته.
في يوم رأيته قادماً نحوي و على وجهه علامات حزن الدنيا كلها، علمت للوهلة الأولى أنه في خلاف كبير مع سارة، فكلاهما كذلك عند حدوث خلاف ما يأتيان إلى لأصلح بينهما، يأتيان كل على حدة و على وجه كل منهما حزن يفوق ضخامة الفيل الإفريقي، سألته عن سبب الخلاف هذه المرة، أقسم لي أنه لا ذنب له فيما حدث، إنما هي توابع الماضي، طلبت منه أن يهدأ لأعلم تفاصيل الموضوع، أخبرني أن سارة ذهبت مع بنت خالتها وصال الطالبة في كلية التجارة و هناك تعرفت على بسمة صديقة وصال و زميلتها في الكلية.
وصال : بسمة .. إزيك
بسمة : ( بعد تبادل القبلات ) إنت فيتك يا بنتي؟ بقالك يومين مش باينة!
وصال : أصلي كنت مع بنت خالتي في كليتها
آه نسيت أعرفك دي سارة بنت خالتي في كلية هندسة
سارة دي بسمة صاحبتي الآنتيم
سارة و بسمة : أهلاً و سهلاً
بسمة : ( بعد أن لاحظت الدبلة في يد سارة )
إنت في سنة كام بقى ؟؟
سارة : في سنة تالتة
و إنت في سنة رابعة مع وصال برضه
بسمة : ( ضاحكة ) لأ أنا مقضياها أنا لسة في تانية
( و هي تنظر إلى الدبلة ) إنت مخطوبة ؟؟
سارة : ( بفخر ) آه مخطوبة لواحد زميلي في الكلية
بسمة : بجـد ... إسمه إيه؟؟
وصال : إسمه شريف
سارة : ( تبحث في حقيـبتها )
 إستني أوريك صورة الخطوبة أنا معايا كارت من الصور
بسمة : (  تنظر للصورة بدهشة و فرحة مصطنعة )
إيه ده هو إنت مخطوبة لبيشووو ؟؟؟
هو العفريت ده خطب!! و الله برافو عليه
إبقي باركي له بقى ... و لا أقولك هابقى أتصل أنا بيه و أبارك له
إنصرفت بسمة بعد ذلك الحوار الذي إنتصرت فيه على غريمتها الجديدة، إنصرفت و هي تاركة سارة تغلي دماءها كأنها قد وضعت في " حلة " كبيرة من " حلل " آكلي لحوم البشر و مقاد تحتها نار كبيرة إستعداداً لطهيها و أكلها، هنا يجب التنويه و التوضيح أن المقربين جداً جداً من شريف يطلقون عليه لقب " بيشووو "، لذلك عندما لفظت بسمة هذا اللقب علمت كل من سارة و وصال أن هذه الفتاة تعرف شريف فعلاً، تعرفه جيداً، تعرفه عن قرب، لا تتدعي و لا تمثل و لا تكذب ... إنها فقط تتجمل.
ضحكت كثيراً عندما حكى لي هذا الموقف، من أعمالكم سلط عليكم، ضحكت كثيراً كما ضحكت الآن و أنا أنقلها لكم، لا أدري لماذا كتبتها، و لماذا أحكيها، ما الفائدة لا أدري، ما الهدف لا أعلم، ما النتيجة لا توجد لدي أي فكرة، فقط أحببت أن أرويها، قد هذه الحكاية تكون تحذيراً لكل من يتلاعب بعواطف نبيلة أنه سيكون ضحية لهذا التلاعب في يوم من الأيام، قد يكون توبيخاً له، قد يكون تأكيداً أن الكذب لا توجد له أرجل، حتى و إن طال عمر الكذبة.


بقلم م / مصطفى الطبجي

السبت، 6 نوفمبر 2010

عربة الآيس كريم

مع أنه قصير القامة إلا أن صوته كان جهوراً، ليس من طبعه أن يتكلم بهذا الصوت المرتفع، بل أن المعروف عنه أنه شخص هادئ الملامح، طيب الأخلاق، متفاهم بشكل كبير، بشوش، لكن للصبر حدود كما يقولون، فهذه هي المرة السادسة التي يأتي فيها لذلك المركز الطبي بتلك الوحدة المحلية لإستلام نتائح تحليل الدم و الذي تتوقف عليه تحديد سفره من عدمه بعد أن حصل أخيراً على عقد عمل مرضي في إحدى الدول العربية، الوقت يمر و الأيام تجري لا يستطيع اللحاق بها و المسؤولون في ذلك المركز الطبي يتعاملون معه بكل إستخفاف و إستهتار، في كل مرة يقابل بعبارة " فوت علينا كمان يومين "، يرى حلم عمره يضيع من بين يديه بسبب أن بعض الموظفين لا يريدون القيام بما يجب القيام به.
أغلقت جميع الأبواب في وجهه، فلقد تم فصله بطريقة تعسفية من عمله بعد أن كان مثالاُ يحتذى به في الإستقامة و النزاهة و الإنضباط، كل ما إقترفه أنه إستطاع أن يثبت رسمياً أنه يوجد تلاعب و سرقات في مخازن الشركة، سرقات كانت تتم بعلم المدير العام للشركة، و لأن المال السايب يعلم السرقة، و لأن المال العام سهل السرقة، ولأنه مازال يمتلك شيئاً ما يسمى ضمير، لم يستطع السكوت على ما إكتشفه، حاول فضح الأمر، حاول كشف المستور، حاول معاقبة اللصوص، النتيجة هي تلفيق التهمة له و فصله من العمل، بعد أن ضاقت الدنيا به لم يجد أمامه إلا أن يقف بعربة آيس كريم على الطريق السريع، إختار لنفسه مكاناً أسفل شجرة في الجزيرة الموجودة بين الإتجاهين، بذلك يمكن لقائدي السيارات القادمة من الإتجاهين أن يروه عسى أن يقرروا الشراء منه، خاصة سائقي النقل، كان يعلم أنه لكي يشتري منه أي مار لابد أن يوقف سيارته في الناحية اليسرى من الطريق، الناحية التي تكون فيها السيارات مسرعة، هي مخاطرة و مجازفة من الجميع، لكن ما باليد حيلة، لقمة العيش لا ترحم.
إبتسم إبتسامة خفيفة و هو يقود دراجته البخارية، فكلما تذكر أنه لابد أن يرتدي الخوذة عند قيادته للدراجة إبتسم، لديه إقتناع تام أن من يرتدي هذه الخوذة هو شخص " فرفور "  لا يحق له ركوب دراجات بخارية و الإستمتاع بها، هذه الخوذات صنعت للنساء لا للرجال، كثيرون أخبروه أنها للحماية إذا سقط بدراجته لأي سبب ما، قابل تحذيراتهم بكثير من السخرية، فهو قائد ماهر يهوى المخاطر و السرعات الجنونية، لديه إقتناع ان العمر واحد و الرب واحد، ينسى أو يتناسى عمداً مقولة " إعقلها و توكل "، اليوم هو ذاهب إلى أحد مراكز التحاليل ليحلل عينات الدم الموجودة في تلك الحقيبة التي يلفها حول صدره، من المفترض ألا يذهب إلى أي مكان، فالمركز الطبي التابع لتلك الوحدة الصحية التي يعمل به يحتوي على جميع الأجهزة و الإمكانيات لعمل التحاليل المطلوبة، لكن ما حدث أن أحداً ما سرق بعض الأجهزة من داخل المعمل، إتضح لمدير المركز أن السارق دخل إلى المعمل بإستعمال مفتاح فالباب غير مكسور، و هنا علم الجميع أنه إذا تم إبلاغ الشرطة فسوف يتم فصلهم جميعاً، لذلك كان الحل المثالي هو إخفاء الأمر عن الجميع، و إرسال التحليل سراً لأي مركز تحاليل آخر، و ظل الأمر كذلك سراً لا يعلمه إلا العاملين بالمركز.
شاهد تلك السيارة و هي تبطئ مقتربة منه، إستعد لأن يطلب سائقها قطعة آيس كريم و هذا بالفعل ما حدث، بدأ في تحضيرها و هو في قمة السعادة، فالعربة التي يعتمد عليها كدخل أساسي له بدأت تؤتي ثمارها، حتى في هذا العمل البسيط مازال يراعي ضميره، هو مبدأ لا يتجزأ مهما إختلفت طبيعة العمل، ناول سائق السيارة قطعة الآيس كريم، بدلاً من أن يتحرك السائق منصرفاً بسيارته ظل واقفاً في مكانه يستمتع بما في فمه، و فرصة ليتجاذب أطراف الحديث مع هذا البائع، في أثناء حديثهما سمعا صوت إصطدام قوي للغاية ليفاجأ الإثنان أن دراجة بخارية قد إصطدمت من الخلف في تلك السيارة الواقفة، هرول الجميع إلى سائق السيارة الذي بدا عليه الإغماء، نزعوا عنه تلك الحقيبة التي يلفها حول صدره، في أول الأمر إعتقدوا أن هذه الدماء المنتشرة على قميصه هي إصابات فيه، لكنهم إكتشفوا أنها لم تكن سوى أنابيت صغيرة بها بعض الدماء و مسجل على كل أنبوبة بعض البيانات كالإسم و السن و بعض الكلمات باللغة الإنجليزية، أفاق سائق الدراجة سريعاً و تفحص الحقيبة بلهفة، إكتشف أن جميع العينات قد كسرت فأغمى عليه مرة أخرى.
إستمر في هياجه عسى أن يهتم به أحد العاملين لكن دون جدوى، فنتائج التحاليل المعروف عنها أنها تكون جاهزة في خلال 24 ساعة، و لقد مر عليه الآن أسبوعان و لا يوجد شخص يريد أن يخبره بكلام واضح، أحد العاملين بعد أن تعب من كثرة ما سببه هذا الرجل الهائج من صداع لكل الموجودين قال له " مالكش تحاليل عندنا "، إستعجب من العبارة في أول الأمر ثم ثارت ثائرته من جديد، هنا إنفعل عليه الجميع و اخبروه أنه لا توجد له نتائج تحاليل و لا يوجد ما يثبت أنه حلل هنا في الأساس، و طلبوا منه مغادرة المكان قبل طلب الأمن، جن جنون الرجل لا يدري ماذا يفعل، آخر موعد للسفر هو غداً صباحاً و لن يستطيع التحليل في أحد المراكز الأخرى، فات الأوان، أخبرهم أنه سيشتكي لأعلى المسؤولين فلقد لاحظ وجود رقم خاص للشكاوي تابع للوزارة مكتوب بخط واضح أسفل اللوحة الخاصة بالتعليمات و الإرشادات العامة، أخرج هاتفه من جيبه ليخبرهم أنه جاد في تهديده، قال له الجميع بمنتهى الهدوء " إشتكي "، كتب الرقم الموجود أسفل اللوحة و إنتظر أن يرد عليه أحد، المفاجأة أن الرقم غير سليم، عندما بدأ يعد الأرقام المكونة لرقم خط الشكاوى إكتشف أنه ينقصه رقم و هنا علم أن العاملين بالمركز قد قاموا بمسح أحد الأرقام المكونة للرقم حتى لا يستطيع أحد الإتصال.
عاد إلى منزله و هو محبط، فرصة كهذه لا تأتي إلا مرة واحدة في العمر، لن يكون حزيناً إن كانت قد ضاعت منه بسبب بعض الأخطاء التي قد يكون قد إرتكبها أو لعدم كفاءته، لكنها و للأسف قد ضاعت منه بسبب إستهتار بعض الموظفين الذين مات لديهم الضمير، كان قد علق آماله على هذه السفرية لتحسين أوضاعه المالية و المعيشية، تألم كثيراً لا يدري ماذا يفعل، هنا تذكر أن هذا قد يكون عقاباً ربانياً له، فكما تسبب آخرون في منعه من السفر و تدمير حياته، تسبب هو في فصل شخص آخر كان ملتزماً في العمل و مثالاً يحتذى به في الإستقامة و النزاهة و الإنضباط.


بقلم م / مصطفى الطبجي

الجمعة، 5 نوفمبر 2010

على دكة الإحتياطي

" ليه لأ؟ هو أنا كنت ناقص إيد و لا رجل؟ الحمد لله شغال في مكان محترم و وظيفة محترمة و مرتب محترم و الناس بتحبني و أنا بحبهم و عندي كام فكرة كده مش بطالة ممكن تحل مشاكل الدنيا و الآخرة، يبقى ليه لأ؟ " هذا ما كان يدور بذهني و أنا أقرأ أحد المقالات التي تتحدث عن إنتخابات الرئاسة القادمة، لماذا لا أرشح نفسي لرئاسة الجمهورية؟ كل ما علي أن أعرفه هي الشروط الواجب توافرها في المرشحين، المادة (75) من الدستور تنص على أن سن المرشح لا يقل عن 40 عاماً - أن يكون متمتعاً بالحقوق المدنية و السياسية - من أبوين و جدين مصريين - ليس له أي جنسية أخري، أول عقبة قابلتني هي مسألة السن فأنا مازلت تحت السن القانوني بمراحل، و لا يجوز لي أن أدخل الآن في معركة قضائية مع الدستور ( لا أقصد الجريدة ) حتى يقوم بتغيير نفسه فقط ليلائم ظروفي العمرية، هي معركة خاسرة بلا شك، الحل إذاً هو الإنتظار للإنتخابات الرئاسية بعد بعد القادمة، أي في عام 2023 و عليكم خبر، وقتها سأكون قد تخطيت السن القانوني، و إن كنت وقتها " إن كان لي عمر " سأكون قد تخطيته بشهر واحد فقط ، لكن لا بأس شهر مثل ثلاثون عاماً، لا يوجد فرق، و بصراحة سوف تكون فرصة كبيرة لي لدراسة الوضع السياسي في الإنتخابات المقبلة و التي تليها، فرصة لأتعلم  قواعد اللعبة، الخبايا و الثغرات، الأخطاء التي وقع فيها الآخرون، فرصة لمعرفة كيفية كسب أصوات الناخبين، ليس بالتزوير أو المنع أو أو تغيير الصناديق أو إدراج أسماء مواطنين قد توفاهم الله أو " زغللة الأعين " لا سمح الله، و لكن بالحوار البناء و الأفكار الجديدة و الحلول السريعة العملية و الوعد يتنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم، فرصة لتحضير برنامج إنتخابي " مايخرش المية "، فرصة لأنضج سياسياً و اكون " مية مية "، جاءني هاجس قاتل و قال لي " إفرض بقى يا حدق وقتها غيروا الدستور و خلوا أقل سن للترشيح هو 45 ولا 50 سنة، تعمل إيه ساعتها ؟ "، حقيقاً لا أدري " هو أنا كنت مغسل و ضامن جنة! " و قتها يحلها الحلال، و أهم أسباب نجاح السياسي هو عدم إستباق الأحداث، يجب الصبر و الأخذ بالأسباب و التفكير في العواقب و النتائج، دعني من الإفتراضات الغير منطقية و الغير محتملة.
إنتهت أول عقبة في طريق ترشحي، " نيجي بقى " للشرط الثاني، و هو أن أكون متمتعاً بالحقوق المدنية و السياسية، حقيقاً لا أعلم بالتحديد معنى هذه العبارة، لكني متمتع و الحمد لله، و مستمتع و " متكيف و دماغي زي الفل و عال العال "، لذلك سأفترض مجازاً أن هذه الشرط متحقق هو الآخر، و من يدري ربما في عام 2023 أكون متمتع على حق.
الشرط الثالث هو أن أكون من أبوين و جدين مصريين، الحمد لله أنا مصري و أبويا مصري و سمارى و لونى مصرى و بخفة دمى مصرى و كل مصرى الله عليه، بشهادة ميلادي الكومبيوتر أنا مصري، ببطاقة الرقم القومي أنا مصري، بجواز سفري الذي لا أدري أين أضعته أنا مصري، بعشقي لتراب هذه البلد أنا مصري، بتحملي كل ما فيها من سلبيات أنا مصري، بإفتخاري بكل ما فيها من إيجابيات أنا مصري، و نفس المنطق ينطبق على أبوي و أجدادي، و إن كنت ما زلت محتفظاً بجواز السفر الخاص بجدي و الخاص بأم جدي أيضاً، هو إذاً شرط بالغ الأهمية لكنه لا يمثل عقبة بالنسبة لي فمن السهل جداً إثبات أني واحد مصري و إبن واحد مصري و حفيد واحد مصري، " الرقم القومي بيقول كده " و كذلك شهادة ميلادي و شهادة تخرجي من الكلية و شهادة الإعفاء الطبي من الجيش و رخصة القيادة و شهادة وفاة والدي و شهادة إثنين موظفين و " بلد بتاعة شهادات صحيح "، ما إن أتممت كلامي حتى جاءني ذلك الهاجس اللعين و قال لي  " إنت عارف إزاي أصلاً تثبت إنك مصري؟ "، كل ما سبق لا يثبت أنك مصري طبقاً للدستور، فالمادة (26) لسنة 1975من الدستور توضح أنك لكي تكون مصرياً يجب أن تثبت أن أبوك أو جدك كان يعيش في البلاد من قبل الخامس من نوفمبر لعام 1914! أي من قبل الحرب العالمية الأولى، و بذلك تتأكد الدولة أنك لست من سلالة إنجليزية أو عثمانية أو أو أو، على الرغم من صعوبة أو إستحالة إثبات هذه المعلومة العسكرية الخطيرة و البالغة السرية إلا أنني للأسف أستطيع إثباتها بسهولة، لكه إثبات ضد مصلحتي، فكما ذكرت سابقاً أني ما زلت أحتفظ بجوازسفر جدي و الذي يثبت فيه أنه دخل البلاد لأول مرة عام 1915، هو و أخاه و والدتهما و خالتهما، قادمون من أحد الدول العربية، و هذا يعني بمنهتى البساطة و طبقاً للقانون أن جدي غير مصري، و بالتالي فوالدي غير مصري، و للأسف فأنا أصبحت غير مصري، مع أن معي بطاقة رقم قومي " و الله لسة مجدد البيانات اللي فيها و كتبوا عليها سارية حتى 2015 "، ربنا يسامحك يا جدي و يـبشبش الطوبة اللي تحت رجليك ضيعت مستقبلي، " مكنتش عارف تيجي قبل كده بسنتين "، ما الذي يمكن تحقيقه بعد أن ضاعت أحلامي بأن أكون رئيساً للجمهورية.
لا يأس مع الحياة، وجدت الحل و كان سهلاً للغاية، أسهل مما كنت أتوقع، إذا لم أكن مصرياً من ناحية الأب فأنا مصري من ناحية الأم، فوالدتي و والدها و جدها مصريون مصريون مصريون، ولدوا و تربوا في إحدى القرى، هذا أمر أنا متأكد منه، لذلك يمكن الإستناد إلى القانون الذي يعطي الجنسية المصرية لأبناء المصريات المتزوجات من أجانب هذا على فرض أن والدي أجنبي، و أنا من البلد دي أنا من البلد دي، سيقول لي الهاجس الذي علمت أنه عضو في أحد الأحزاب التي تحارب ترشيحي " نفس المشكلة يا برنس، إثبت إن الست الوالدة مصرية "، هذه أمرها سهل للغاية، خال والدتي و الذي يعتبر في مقام جدي مازال على قيد الحياة، و هو رجل تخطى الثمانين، بمعنى ان والده الذي يكون بمثابة جد والدتي سيكون بالتأكيد قد ولد قبل عام 1914 بكثير جداً، و يمكن إثبات هذا من أهل القرية، الفلاحين " خدومين " جداً في مثل هذه الأمور، و هذه ميزة يحسدون عليها، إذا ترشح أحد من أبنائهم لأي منصب يقف الجميع بجواره يساندونه بكل طاقاتهم.
إنتهت الثلاث عقبات الأولى و تقريباً الرابعة، فأنا ليست لدي أي جنسية أخرى و لا أنوي التمتع بأي جنسية غير المصرية، " أنا حر و مزاجي كده و محدش له حاجة عندي "، كل ما علي فعله الآن هو الإعداد الجيد، حتى لا أصاب بشد عضلي في منتصف الطريق يجلسني على دكة الإحتياطي لموسم سياسي كامل.


بقلم م / مصطفى الطبجي

الخميس، 4 نوفمبر 2010

عجينة أم أحمد


صوت الشجار كان عالياً، أو بمعنى أصح صوت الأشخاص الذين كانوا يتشاجرون أمام بوابة المنزل كان عالياً، فلقد كنت أستمع إلى جميع كلماتهم و كأني مشترك معهم في ذلك الحوار الغير عـفيف و الملئ بالسخافة و التفاهة و ألفاظ خارجة لعن الله من إبتكرها، سبب هذا الشجار العنيف أن كل شخص يريد أن يوقف سيارته في نفس المكان الذي يريد الشخص الآخر إيقاف سيارته فيه، و كأن مشاكل العالم كلها قد حلت و لم تعد هناك سوى هذه المشكلة، كأن أي منهم لم تؤثر فيه الظروف الإقتصادية و الأحوال العجيبة و الأمور المعكوسة التي نمر بها، كأن عقل كل منهم قد توقف تماماً عن العمل بسبب عطل مفاجئي أو عطل متعمد أو أنه منتهي الصلاحية منذ مدة بعيدة، مع أنه لو حاول أي منهم تشغيل عقله كما فعل طفلي لإنحلت الأزمة، طفلي الذي بلغ عامه الأول إستطاع البوم أن يجد حلاً لمشكلة واجهته، فعلى السرير لمح شيئاً ما، شيئاً لا أتذكره حالياً، شيئاً أراده بشدة، حاول الصعود إلى السرير لكنه كان عالياً عليه جداً، حاول مراراً و تكراراً، فشل لكنه لم ييأس، إتجه مباشرة إلى الكرسي الموجود بجوار السرير، حاول الصعود فوقه، مرة إثنان ثلاثة و نجح في الرابعة، و من الكرسي إنطلق كالصقر نحو هدفه، أمسكه فرحاً و هو ينظر لنا في عينه علامات النصر، نظرت له و أنا تتملكني الدهشة، فهذه أول مرة أرى فيها سيدة تقود سيارة كبيرة الحجم كهذه، قناعتي الشخصية أن النساء لا يستطعن قيادة السيارات عموماً، و إذا لزم الأمر و إضطرتها الظروف فمن الأفضل أن تكون سيارة صغيرة الحجم رخيصة الثمن حتى لا تكون الخسارة كبيرة الحجم، لكن أن تقود سيارة في حجم الميكروباص فهذا لم يصدقه عقلي رغم أن رأته عيناي " اللي هتاكلهم الدود "، حاولت إقناع نفسي أن ما آراه حقيقة و ليست هلاوس من آثار " دور البرد " الذي هاجمني كأسد شرس منذ أيام قليلة، فرغم كمية الأدوية المختلفة التي تناولتها إلا أن تأثيره ظل يتغلب علي يوم بعد يوم، من مضاد حيوي إلى خافض حرارة إلى إلى إلى، تغير المناخ بالتأكيد هو السبب فكل يوم في حال و كل ساعة بشكل و كل دقيقة بلون، لذلك كانت القاعدة الذهبية، لا أصدق ما يقال من مذيع النشرة الجوية، تماماً كما لا أصدق ما يقال من الأشخاص المهاجرين و الذين لم تتطأ أقدامهم أرض الوطن منذ أكثر من عشرين أو ثلاثين عاماً، أجدهم يتكلمون في البرامج عن عظمة هذه البلد، عن الذكريات، عن الأمجاد، عن الإنتخابات، عن التزوير، عن حق التصويت، عن الإنتماء، عن الحب، عن العطاء، عن حق المواطن، عن الوفاء، لماذا إذا لا تأتون؟ لماذا تركتم الجمل بما حمل و إنصرفتم بعيداً؟ أم أن حب الوطن أصبح بالشعارات فقط " و من بعيد لبعيد "، أرى في وجوههم كلام زائف، إنها تلك الصحف التي من المفترض أن تكون معارضة، أو خاصة، أو حيادية، أو أي مسمى تحب أن يطلق عليها، إنها تلك الصحف التي من المفترض أن تقول " للأعور إنت أعور في عينه "، لكنها و للأسف تخفي حقيقتها لتدس السم في العسل، لتوجهك إلى ما تريده منك أن تكون مقتنع به، و ليس إلى الحقيقة، الحقيقة التي أن متأكد منها أن العنف في المدارس يتطور يوم بعد يوم، و كأننا في سباق مع الزمن، كل يريد أن يثبت أنه الأعنف، و أنه الأحق بأن يكون إسمه في صدارة العناوين، وكل ما فطنت إليه العقول هو منع دخول الهواتف المحمولة إلى المدارس، كأن عدم دخولها سيكون هو الحل النهائي لتلك الكوارث، و المنع بالمنع يذكر فإن أفضل الحلول هي منع دخول الطلاب إلى المدارس، و منع المدرسين كذلك، و الناظر و الوكيل، فناظر محطة القطار لا أدري بالتحديد ما هي طبيعة عمله، عندما سافر أحد أصدقائي إلى ألمانيا أخبرني أنه عندما دخل إلى محطة القطار لم يجد أحداً، حتى موظف التذاكر لم يكن موجوداً، كل شئ بالكومبيوتر، قطع التذكرة و تحديد رقم الرصيف و الموعد، لا توجد بطالة مقنعة كما هو الحال مع عامل " الكارتة " الذي يجلس داخل " كشك " متهالك على أول الطرق الزراعية ليعطي لسائقي الميكروباص تذكرة تحديد مسار " تقولش تحديد مسار الدراسة في الدراسات العليا يا خي "، وظيفة لا طائل منها سوى تقليل نسبة البطالة التي إرتفعت عن نسبة الراسبين في الثانوية العامة التي تغيرت أحوالها من عام إلى عام لتصبح سلطة بلدي و من غير ملح، هذا إن كان الملح سليم و صالح للإستهلاك الآدمي كالقمح المستورد الملئ بكل ما لذ و طاب من مضرات لصحة الحيوان قبل الإنسان، لكن المعدة هنا تعودت على هرس الزلط، فالمبيدات المسرطنة و الطعام المسرطن لم يؤثر إلا على نسبة ضئيلة من أفراد الشعب و الباقي مستمر في هرس الزلط، لذلك تتساقط العمارات بعد بنائها بشهر واحد على " دماغ اللي ساكنينها "، التصريحات الأولية تأكد عدم وجود زلط، و لم يتكلم أحد عن الأسمنت المغشوش، و تجاهل البعض متعمداً الأراء التي تؤكد أنه لم يتم البناء بإستخدام الأسمنت بل بإستخدام عجينة أم أحمد لصناعة الكحك البلدي.


بقلم م / مصطفى الطبجي

الثلاثاء، 2 نوفمبر 2010

الزمن العجيب

يرقد على وجهه بدون أن يبدي أي حركة، إذا رأيته ستعلم أنه ميت منذ فترة، كمية الأتربة تدل على أنه مر عليه يومين أو ثلاثة و هو على هذه الوضعية، ذلك المكان المقفر الكئيب المظلم، لا يدخله ضوء الشمس و لا نورالقمر، حتى الرائحة تعطي مزيداً من الظلام، كأن جميع معاني الأناقة قد فرت من هذا المكان بعيداً، عينه لا ترمش أبداً، و كيف ترمش و هي تـنـظر من ذلك المنظار المثبت فوق تلك البندقية التي يمسك بها بيديه و كأنها أصبحت قطعة منه، لقد تدرب على ذلك كثيراً فهو قناص ماهر، في إنتظار فريسته لا يتحرك من مكانه مهما مر عليه الوقت، بارع في إختيار أماكن لا يمكن أن تكتشف، .... النهاية.
النهاية هي الكلمة التي ظهرت على شاشة التلفاز لتعلن لذلك الشخص الجالس أمامها أن هذه الحلقة من ذلك المسلسل الجديد قد إنتهت، قام من مكانه و هو في أشد حالات إنفعاله، فالمسلسل يزداد تشويقاً و إثارة في كل حلقة، المشاهدة ممتعة خاصة عندما تمتلك تلفاز 42 بوصة بجودة عالية، نظر إلى اللفاز نفسه بإعجاب، لقد كلفه الكثيـر، لكن ثمنه لا يقارن بثمن تلك السيارة الجديدة التي إشتراها مؤخراً، هو فخور بما حققه من نجاحات حتى الآن، يعلم جيداً أن نجاحه هذا كانت له ضريبة عالية، فحتى يحقق ما حققه في عمله إبتعد عن أصدقائه و أسرته، حتى الفتاة التي كان يحلم بالزواج منها و كانت في يوم من الأيام خطيبته، و التي تحدت العالم من أجله لأنه كان فقيراً معدماً لم يعد يتذكرها، مجرد أطياف ماضي تتضئ في عقله لمدة ثواني معدودة ثم تختفي مرة أخرى لتتوه في إزدحام أفكاره العملية، هي أيضاً لم تعد تعرفه.
للسيارات الفارهة أصول في القيادة، خاصة إذا كان السائق شاباً " كتكوتاً " " أموراً " " فرفوراً " " عسولاً "، أولاً ظهر الكرسي يجب ألا يكون قائما بزاوية 90 درجة فهذي علامة على الخشونة، لكن الأفضل أن يكون مائلاً بزاوية 120 درجة و كأنك تقود و أنت نائم، ثانياً المساعات لا بد و أن تكون " براند " أي من أحد الأنواع الأصلية و طبعاً غالية الثمن جتى يظهر بوضوح صوت " الدوم " و " التيس " و هذا كله يحتاج إلى مشغل إسطوانات عالي الكفاءة، ثالثاً قائد السيارة لا بد من أن يخرج يده اليسرى من شباك السيارة و يجب التنبيه هنا على أنه لا يجب إخراج ذراعه الأيسر كاملاً فذلك ما يفعله سائقي التاكسي، إنما عليه إخراج نصف المسافة من مفصل الكوع إلى كف اليد، هو أيضاً كان ما زال شاباً، و وجد في هذه المواصفات رفاهية زائفة له، لا يعلم أنها تنقص من قدره في نظر كل زملائه في العمل، لكنه كان يرى هذه التظرات و يفسرها على أنها غيرة و حقد على ما وصل إليه.
إنتهى عصر القمصان و البناطيل اللذان كان يرتديهما على نفس ذلك الحذاء الذي إشتكى من كثرة الفتحات فيه، الآن لا يرتدي سوى البدل غالية الثمن، لكل بدلة حذاء خاص بها، و لكل حذاء شراب، و لكل شراب ساعة، و لكل ساعة نظارة شمسية، و هلما جرا...... الإجتهاد في العمل مبدأ خاص به لا يتجزأ عنه أبداً، ففي تمام الساعة الثامنة سوف تجده جالس على مكتبه يباشر عمله، لا يهتم كثيراً إن كان العمل قليلاً أم كثير، لا يهتم إن كان هو الوحيد الذي يعمل و الباقي يشاهد، عمله ينجزه على أكمل وجه، و ها هو أول المواطنين الذين يريدون تخليص بعد الإجراءات الروتينية قادم نحوه، يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم.
مكتبه هو مملكة خاصة به، كل ما فيه هو ملك خاص له، حتى تلك النقود التي يضعها المواطنون في درج مكتبه السفلي هي ملك خاص له، كل من أراد أن ينهي مصلحة له أو ينتهي من بعض الإجراءات أو يختم بعض الأوراق يعلم أن يمكن أن يذهب، مباشرة إلى الأستاذ رامي، على حسب الطلب يتم تحديد القيمة النقدية، الكل سواسية و النظام و نظام و كل حسب دوره، هي أيضاً مبادئ و قوانين وضعها لتنظيم العمل، و تسهيل الحصول على النقود، زملائه يعلمون أنه " يأكل مال النبي "، المواطنون يعلمون أنه يبتذهم و يستغل ضعفهم و حاجاتهم و مع ذلك يتركه الجميع، فليس من المضمون بعد الإبلاغ عنه أن يأتي شخص في هذا الزمن العجيب ليكون أشرف منه، من المحتمل أن الشخص الذي سيأتي بعده سيكون أجشع منه، و كأنهم يعاقبون على ما فعلوا.



بقلم م / مصطفى الطبجى