السبت، 20 نوفمبر 2010

روح أبو السعود

عادة فرعونية متأصلة في ورثـتها عن جدود الجدود، دخول السينما لمشاهدة الأفلام الجديدة، الجيدة منها، أنا عاشق للسينما و لست عاشقاً للأفلام و الرفق كبيـر، فإن كنت في مزاج سئ و أشعر أن العالم كله منقلب ضدي يكون الحل دوماً هو الهروب إلى السينما، أخرج منها بعد مشاهدة الفيلم غير عابئ بهموم الدنيا و كأنها فرجت من عند ربنا و هو الشافي العافي، بل و أحياناً أخرى أجد حل لمشكلة كانت تؤرقني، عادة غريبة أعترف بهذا، لكنها لن تكون أعجب من عادة صديقي الذي عندما تواجهه أي مشكلة يتجه فوراً و بدون مقدمات ..... إلى الحمام.
لي مع السينما حكايات و روايات، مواقف و شقلبظات، لكني دوماً أحب أن أحكي موقفي مع الـلـب، منذ عدة سنوات أفتتحت دار عرض جديدة في المنطقة، سارعت بالدخول في أول فيلم تم عرضه، ممكن تقولوا داخل أعاين البضاعة أكتر من إني داخل أتفرج على الفيلم، تكيـيـف عالي الجودة، كراسي مريحة من النوع الفخم، موكيت لوه احمر على لون الكراسي، ديكور عصري رائع، صورة جيدة، صوت رائع، حاجة كده خمس ست سبع نجوم، على باب القاعة كتبت عبارتان " ممنوع التدخين "، " ممنوع إعطاء بقشيش للعاملين ".
في أول الأمر كان المسؤولين عن القاعة يمنعون دخول المسليات ك اللب و الفول السوداني، و لكن بعد أن تم تهريبهما بطرق إستعصى على البوليس الدولي كشفها لجأت إدارة السينما إلى حل عملي جداً، قبل بدأ عرض الفيلم يدخل شخص معه الكثير من الأكياس الصغيرة يوزعها مجاناً على كل من معه أي نوع من أنواع المسليات، و يطلب من الجميع طلب بسيط، عندما إلقاء المخلفات على الأرض بل وضعها في الكيس و وضع الكيس على الكرسي بعد إنتهاء العرض، للحفاظ على نظافة المكان، بعد إنتهاء العرض إكتـشفت أن الأكياس كانت ملقاة على الأرض فارغة و قشر اللب و الفول السوداني في كل مكان!!! عالم عجيبة تبحث عن التخريب بأي صورة، عالم عجيبة تستحق أن ترجم بالقباقيب في ميدان التحريـر.
الموقف الآخر الذي أحب أن أحكيه مع أني لا أحب أن أتذكره هو ذلك الكائن ذو الأربعة أطراف الذي كان يجلس بجواري أثناء مشاهدتي لأحد الأفلام، حتى الآن لا أدري نوعه بالتحديد لكنه كان يجيد العربية و بطلاقة، و كان يصطحب معه فتاتان تجيدان السنكحة بطلاقة و إحتراف، فتاتان ليس فيهما إلا بضع كيلوجرامات من السيليكون، كان هذا المخلوق السمج يحكي كل أحداث الفيلم، يحكي كل مشهد و كأن روح أبو السعـود بعثت من جديد، " شوفوا دلوقتي هتدخل عليه بنته "، " القصة بقى إن ولاده كانو عاوزين .... "، " الواد ده بقى هيطلع حرامي "، طلبت منه السكوت أكثر من مرة لكني أدركت أني أتحدث مع وحيد القرن و هنا تعرفت على نوعه أخيراً، فهو لم يستجب لي نهائياً لدرجة جعلتني أشك فيما كنت أتحدث العربية أنا أيضاً أم لغة أخرى غير مفهومة، حتى لا أغزه بقرن غزال بدأت في الفرك في أذني طوال عرض الفيلم حتى لا أسمع صوته الشبيه بصوت كلب البحـر، أو خيار البحـر ... لا أتذكر.


بقلم م / مصطفى الطبجي

الخميس، 18 نوفمبر 2010

رحلة إلى مركز الحزن

جانا العيد أهو جانا العيد و مرحب مرحب بالعيد و العيد ( فرحة )، وعند بعض الناس العيد ( فرخة ) و موسم بقى و كل سنة و إنتوا طيـبـين و فين العيدية؟؟؟ أهم ما في العيد هي العيدية، فهي التي تحدد القيمة الشرائية " لبومب " العيد، و كم " بومبة " يمكن أن أفرقعها تحت أرجل الجميع، لا أنسى أبداً الماضي عندما كنت صغيراً، كانت العائلة تتجمع كلها طوال أيام العيد في البيت الكبيـر، بيت جدي رحمة الله عليه، و كنا نحن الصغار نفرك أيدينا طوال اليوم الأول من أيام العيد في إنتظار العيدية، وقتها لم تكن تتجاوز السبعون جنيهاً، لكنه مبلغ بالنسبة لنا بمثابة الثروة اللانهائية.
أتذكر جيداً في أحد الأعياد إنقضى اليوم الأول و لم " يشخلل " أحد من الكبار جيـبـه ليتحـفنا بالذهب و الياقوت و المرجان، في اليوم الثاني تجمعنا نحن الصغار و بدأنا نسأل بعضنا البعض " حد فيكم خد عيدية إمبارح؟؟ "، كل منا إعتقد أنه تم توزيع الثروة بالأمس و قد تناساه الكبار و هذه تعد كارثة من الكوارث تفوق في حجمها كارثة إيقاع برجي التجارة العالمي.
في الأعياد دائماً ما يكون هناك ( ذبح )، في عيد الفطر غالباً ما يكون هناك ( ذبح ) للطيور بشتى أنواعها، و في عيد الأضحى يكون هناك ( ذبح ) للأضحية بشتى أشكالها، و في العيدين يكون هناك ( ذبح ) في أسعار جميع السلع بشتى أنواعها و أشكالها، و إطبخي يا جارية كلف يا سيدي.
عند بعض العائلات لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يمر العيد مرور الكرام، فلابد من القيام بالرحلة الموسمية، رحلة إلى مركز الحزن، إرتداء السواد و الذهاب إلى المقابـر، و ربنا يرحمك يا خويا، يا مستتني يا مهنيني يا اللي إتبهدلت من بعدك يا عمري، يا اللي عمرك ما قلتلي كلمة وحشة، مع أنه كان يمسيها " بعلقة " و يصبحها " بعلقة " أخرى، لكنها طبيعة النفس البشرية المشتاقة للبكاء، بمجرد الخروج من المقابر تنـقشع الدموع و تختفي معالم الحزن و " يالا يا بت عشان نلحق نروح الملاهي ".


بقلم م / مصطفى الطبجي

السبت، 13 نوفمبر 2010

الشلوحة ... الفشلقة ... الفلشحة


لكسر الشعور بالكسل و محاولة كسب بعض النشاط و لو لفترة مؤقتة فكرت في أن أتمشى قليلاً، عسى أن أستطيع أن أتغلب على ذلك " الكرش " الذي بدأ في الظهور نتيجة الجلوس المستمر مع ذلك المخلوق المعروف بإسم الفايس بوك، مررت على مجموعة من الشباب المتمركز على أحد النواصي، بدى من الوهلة الأولى أنهم طلبة في مرحلة الثانوية العامة قد خرجوا تواً من أحد مراكز الدروس الخصوصية و التي أصبحت منتشرة هذه الأيام في الحواري و الطرقات أكثر من إنتشارمراكز الإتصالات و مقاهي الإنترنت، فطنت بعبقريتي الفذة إلى تلك الحقائق البالغة السرية بسبب حجم المذكرات التي كانوا يحملونها و التي كانت تقارب حجم البطيخ السعودي المستطيل الشكل، و ذلك العبوس الواضح على وجوههم و الذي لم تستطع تلك الإبتسامات و الضحكات أن تخفيه و كأنهم يحملون هم الدنيا كلها، و تلك النظرات السريعة إلى الساعة خوفاً من التأخير في العودة إلى منازلهم حتى لا يتم تـنـسيل الشبشب على أم أدمغتهم.
كل ما سبق لم يلفت إنتباهي، فكلها عام أو إثنين و سوف يهجروا هذه المرحلة لينتقلوا إلى مرحلة أخرى أكثر بشاشة و دلع و روقان بال، و تصبح الثانوية العامة مجرد ذكريات عابرة في شريط الحياة، حقيقة ما لفت إنتباهي هو الحوار الدائر بين هؤلاء المغاوير، أحدهم يقول للآخر " لو ماعملناش الواجب المرة الجاية كمان الأستاذ هيشلوحنا " فرد عليه الآخر " يشلوحنا ده إيه، قول هيـفـشلقنا، هيـفلشحنا .... ربنا يستر "، علمت بنفس العبقرية الفذة من ذلك الحوار البناء أن هناك فرق كبير بين " الشلوحة " و " الفشلقة " و " الفلشحة "، و جميعها أفعال مخلة بالذكاء البشري، و محبطة للحضارة اللغوية، لم أقف كثيراً عند معاني هذه الكلمات، فالكثرة تغلب الشجاعة و مهما كنت عبقرياً لن أستطيع نرجمة ثلاث مصطلحات فضائية دفعة واحدة.
أكملت سيري و أنا أفكر في أمر واحد، من هو صاحب التفكير " المتكلف " و " المتكيف " الذي إستطاع إختراع كلمات كهذه؟ كيف تكونت له الجرأة على تجميع مجموعة من الحروف على هذه الشاكلة و بهذا الترتيب لتصبح كلمة فراغية مدلولها معروف، و ذو تأثير مخيف في نفوس الطلبة، تأثير جعلهم يفكرون ألف مرة قبل عدم عمل الواجب المطلوب منهم، ما الذي كان يفكر فيه مخترح هذه الألفاظ الهدامة؟ ما الذي كان يطمح إليه؟.
الكثيرون يتكلمون عن اللهجة العامية و أنها تأثر بالسلب على جمال اللغة العربية الفصحى، لكن حتى اللهجة العامية على إختلافها من منطقة لأخرى و من بيئة لأخرى فكلماتها تحريف لبعض الكلمات الفصحى، تحريف في النطق أدى إلى تحريف في الكتابة، لكن كلمة من " الفلشحة " من ماذا إقتبست؟ و كيف حرفت؟ أعرف أنها مدامت تنطق " فلشحة " بتسكين حرف اللام إذا فلشح يفلشح فلشوحاً، هكذا تعلمنا منذ الصغر عندما حصص اللغة العربية هي المفضلة لنا.
أتخيل الآن شاباً جالساً تحت أحد الكباري، في يده اليمنى سيجارة ملفوفة، و في يده اليسرى ورقة من كتاب اللغة العربية يستعد لكي يلفها لتصبح سيجارة محشية، بعد عدة أنفاس داخلة و خارجة يتفتق عقله الألمعي عن مفردات جديدة يمكن إدخالها على اللغة العربية، لتعويض النقص الواضح في مفاهيم اللغة، كأن الكوفي و سيـبـويه و بديع الزمان و الأزهري و الأصمعي و غيرهم من علماء اللغة لم يستطيعوا إثراء اللغة، و تمكن بجلالته من تحت الكوبري إضافة معاني خلابة، معاني جذابة، مفاني تروح و ماتجيش، معاني ستحير العلماء كثيراً في الوصول إلى إعراب خاص بها تماماً كما إحتار علماء اللغة في إعراب كلمة " زوج ".
الغريب أن كلمات كهذه إنـتـشـرت كإنـتـشار الحمام لحظة إصطياده، إنتشرت في كل إتجاه، و بأقصى سرعة، كأن الممنوع مرغوب، أو كأن هؤلاء الشباب وجدوا أنفسهم في قول الكلمات الغريبة و العجيبة و المريبة و التي تميزهم عن الآخرين من هم أكبر منهم سناً، هو إعلان عن الذات إذاً و عملاً بالمقولة خالف تعرف و إتـشلوح و إجري يا رمان و تعال على حجري يا رمان.


بقلم م / مصطفى الطبجي

الخميس، 11 نوفمبر 2010

صديق آخر


كنت في مكتبي المتواضع أتابع سير العمل عندما إتصل بي والدي، أخبرني أنهم لن يعودوا الليلة كما كان متفق عليه، بل سيبيتون عند خالي بالقاهرة يوم و قد يمتد الأمر إلى يومين، خالي يريد أن يحتفل بهم على طريقته الخاصة بعد أن حصلت أختي الصغرى على المركز الأول على الجمهورية في الثانوية العامة، لم يكتفي خالي بحفل التكريم الذي أقامته الوزارة لأوائل الثانوية العامة، هو يريد أن يحتفل على طريقته، على حريته، بإبنة أخته و التي إعتبرها دائماً كإبنته، كما أن والداي إنتهزاها فرصة للتغيـيـر.
رغم أني ما زالت طالباً في المرحلة الجامعية إلا أنني إفتتحت مركزاً خاصاً بي لخدمات الحاسب الآلي و الإنترنت، كما كنت أحلم و أريد فهو لم يكن كأي من المراكز الأخرى المنتشرة في أبيار السلالم و التي يديـرها أطفال يجهلون كيفية نسخ ملف من مكان لآخر، كنت أحلم أن يكون مركزاً متكاملاً، أن يكون وجهة لكل باحث من هؤلاء الذين يعدون رسالات الماجستير أو الدكتوراة مهما إختلف التخصص، أن يكون تعاملي مع صفوة الصفوة، و قد كان، عمل متعب و مرهق يحتاق دقة في المواعيد و في كل كبير ة و صغيرة، لكن العائد المادي كان مجزي.
لا أدري لماذا كنت فرحاً عندما أخبرني والدي أنهم لن يعودوا الليلة، راودني إحساس كبير بالحرية، مع أني لم أكن مكبوتاً في يوم من الأيام، بل كنت أفعل ما أريد وقتما أريد، تربيت على هذا، لكنهل في نفس الوقت حرية مقيدة إلى حد ما، حرية قيدها ضميري رغما ً عني، فأنا أعلم جيداً أن والدي لن يمانع و لن يثور إذا رجعت المنزل " وش الصبح "، لديه ثقة كبيرة في، لكنه في نفس الوقت لن ترى عينه النوم قبل أن يطمئن على عودتي، فقط ليطمئن، لذلك دائماً ما كان يؤنبني ضميري إذا فكرت بالسهر مع أصدقائي خارج المنزل، ما ذنب هذا الرجل أن يبقى مستيقظاً في إنتظاري و لديه عمله في الصباح.
بنفس هذا المنطق تفوقت في دراستي، ليس تفوقاً خيالي، لكنه معقول، حيث أني لم أحب الأجواء الدراسية، طوال عمري أعشق الحياة العملية، أرى أنها المعلم الوحيد الصحيح المتجدد في هذا العالم المليئ بالمفاجأت، لم أستطع أبداً أن أستوعب ما يتم تلقينه و تحفيظه لنا من معلومات عفى عليها الدهر، لكنه ما كان يفرضه علي ضميري فقط لأرضي والداي، لكن كان أمامي هدف آخر، مشروع خاص بي، حلم أصررت على تحقيقه و قد كان، مركزاً لخدمات الحاسب الآلي و الإنترنت.
أنهيت عملي بعد المكالمة بأسرع ما يكون، لا أدري ما سر كل تلك اللهفة التي كانت تتملكني، كنت كالشاب المراهق الذاهب للقاء حبـيـبته التي سيراها لأول مرة، أو كالعائد من سفر بعيد و متلهف للقاء أهله، أو كالطفل الصغير الذي يتلهف عودة أبيه بعد أن أخبره أنه ذاهب لشراء لعبة جديدة له، أو كالمنتظر لنتيجة الإنتخابات متلهف سماع خبر نجاحه و دخوله المجلس، أطفئت الأنوار و أغلقت المكتب، هرولت إلى سيارتي بخطى سريعة، أحاول فتح باب السيارة لكن من كثرة التوتر لا أستطيع، أحاول تمالك نفسي، دخلت إلى السيارة، أخيراً يمكنني السهر حتى الصباح الباكر بدون أن أشعر أني أسبب مشكلة أي نوع.
جلست في السيارة أنظر إلى نفسي في المرآة، نظرت طويلاً جداً، لم أتحرك من مكاني، لم أنطلق كما كنت أحلم، لم أسارع الوقت أتمنى أن أسبقه، في وسط فرحتي بأني سأكون حراً الليلة نسيت أني لا يوجد لي أصدقاء يمكنني السهر معهم، ففي زحمة دراستي في الكلية و عملي في المكتب إنقطعت علاقتي بالحياة الخارجية، نسيني أصدقائي أو تناسوني بعد سيل الإعتذارات التي كنت ألقيها عليهم لعدم تمكني من السهر معهم أو حتى السفر لأي مكان، أحببت عملي و إعتبرت نجاحه هو صديقي الوحيد، و لم أتوقع أني في يوم من الأيام سوف أحتاج لصديق آخر.


بقلم م / مصطفى الطبجي

الثلاثاء، 9 نوفمبر 2010

شريف و سارة ... أو سارة و شريف



سارة : بص في عنيا
بتحبني
شريف : بموت فيك
سارة : هاسألك سؤال و ترد بصراحة
شريف : ( في سره ) ربنا يستر و يجيب العواقب سليمة
إسألي يا حياتي
سارة : إنت كان ليك علاقات قبل الخطوبة
شريف : ( ينظر إلى عينها بكل حنان الدنيا ) حبيبتي إزاي تقولي كده ؟؟؟
ما إنت عارفة أنا كنت خاربها
سارة : ( على وجهها علامات الدهشة ) إيه بتقول إيه ؟؟
شريف : يعني أنا كنت مقطع السمكة و ديلها و مصمص الشوك و واكل الجلد و محلي بالراس
بس كل ده يا حبيبتي قبل ما أعرفك، لكن من النهاردة أوعدك مفيش غيرك في حياتي
سارة : وعــد
شريف : ( غامزاً بعينه ) وعــد
كانت هذه هي إحدى الجلسات الودية القليلة بين شريف و سارة ، أما باقي الجلسات فكانت غالاً ما تحمل في جنباتها الكثير من المعارك، و القليل من التفاهم، ليس عيباً في علاقتهما، لكنه الطبع الحاد لسارة و الماضي الأسود لشريف.
حتى نعرف الحكاية من أولها دعوني أخبركم عن شريف لأنه كان زميلاً لي أثناء الدراسة الجامعية، شاب وسيم له صوت رائع، ليس بالطويل أو القصير، ليس بالنحيف أو السمين، بمعنى أبسط كان شاباً مثالي المعالم، لذلك كان قبلة لكل الفتيات اللاتي تبحثن عن شاب يكون صديقاً لهن، شريف كان مغرماً بمثل هذه العلاقات، فكنت دائمأً ما آراه سائراً ما إحدى الفتيات، ثم يتركها ليتحدث إلى الأخرى، ثم يتركها لأنه ذاهب في مشوار مع أخرى، ثم يتركها لأنه لديه موعد مع أخرى، ... و دائماً ما كانت الأخريات كثيرات .... جداً، كأنهن مادة لا تنضب أبدأ.
فجأة و بدون مقدمات قرر هذا الشاب المتعدد المواهب أن يعتزل هذه الحياة المليئة بالأخريات، السبب أنه وجد أخيراً من تعوضه عن كل ما سبق، و كأنه كان ينغمس في علاقات وهمية فقط ليبحث عنها، و أخيراً وجدها، إنها سارة، تلك الفتاة التي إنتقلت إلى الكلية حديثاً محولة من كلية أخرى، و لأنه إنسان محظوظ فإن إسمها كان سارة، بمعنى أن إسمها كان قبله في الكشوفات الرسمية، بذلك أصبحا متلازمين في توقيت جميع المحاضرات و السكاشن، محظوظ محظوظ محظوظ  يا ولدي.
بسرعة البرق نشأت بينهم علاقة زمالة و تحولت إلى صداقة و تطورت إلى ما بعد الصداقة بقليل، هو لن يفرط فيها أبدأ، هذا ما قاله لي بعد شهر واحد من إنتقال سارة إلى الكلية، و لأني كنت صديقه الصدوق منذ المرحلة الإعدادية فكانت كل أسراره و فضائحه عندي، كل أفكاره و أحساسيه على علم بها، أخبرته أن هذه الفتاة ليست كالأخريات، قال لي أعلم، هي بالنسبة له أيضاً ليست كالأخريات، هي كل الأخريات، هي كل الحياة، هي كل الكلام الرائع اللانهاية له، هي كل ما كان يحلم أن يكون متوافراً في فتاة أحلامه، هي زوجته المستقبلية.
علمت أن شريف صادقاً في مشاعره تجاه هذه الفتاة، بدون أن يطلب منه أحد بدأ بالتغير، بدون مقدمات أو ترتيب أو تهاون، أنهى كل ما كان غريباً في حياته، كل ما كان خطأً، كل ما كان شاذاً، كل ما يمكن أن يسبب صدمة لسارة، صارحها بحبه و بادلته الصراحة، هي تشعر به لكنها خائفة، فسمعته تسبقه، و زميلاتها لن تفوتهن فرصة التحدث عن شاب بأنه كذا و كذا و كذا و يا دايهة دوقي، أخبرها أن كل ما قيل كان صحيحاً، لن ينكر لأنه لن يبني سعادتها على كذب، لكنه كان قد تغير بالفعل، أخبرها بذلك، وصدقته.
في يوم رأيته قادماً نحوي و على وجهه علامات حزن الدنيا كلها، علمت للوهلة الأولى أنه في خلاف كبير مع سارة، فكلاهما كذلك عند حدوث خلاف ما يأتيان إلى لأصلح بينهما، يأتيان كل على حدة و على وجه كل منهما حزن يفوق ضخامة الفيل الإفريقي، سألته عن سبب الخلاف هذه المرة، أقسم لي أنه لا ذنب له فيما حدث، إنما هي توابع الماضي، طلبت منه أن يهدأ لأعلم تفاصيل الموضوع، أخبرني أن سارة ذهبت مع بنت خالتها وصال الطالبة في كلية التجارة و هناك تعرفت على بسمة صديقة وصال و زميلتها في الكلية.
وصال : بسمة .. إزيك
بسمة : ( بعد تبادل القبلات ) إنت فيتك يا بنتي؟ بقالك يومين مش باينة!
وصال : أصلي كنت مع بنت خالتي في كليتها
آه نسيت أعرفك دي سارة بنت خالتي في كلية هندسة
سارة دي بسمة صاحبتي الآنتيم
سارة و بسمة : أهلاً و سهلاً
بسمة : ( بعد أن لاحظت الدبلة في يد سارة )
إنت في سنة كام بقى ؟؟
سارة : في سنة تالتة
و إنت في سنة رابعة مع وصال برضه
بسمة : ( ضاحكة ) لأ أنا مقضياها أنا لسة في تانية
( و هي تنظر إلى الدبلة ) إنت مخطوبة ؟؟
سارة : ( بفخر ) آه مخطوبة لواحد زميلي في الكلية
بسمة : بجـد ... إسمه إيه؟؟
وصال : إسمه شريف
سارة : ( تبحث في حقيـبتها )
 إستني أوريك صورة الخطوبة أنا معايا كارت من الصور
بسمة : (  تنظر للصورة بدهشة و فرحة مصطنعة )
إيه ده هو إنت مخطوبة لبيشووو ؟؟؟
هو العفريت ده خطب!! و الله برافو عليه
إبقي باركي له بقى ... و لا أقولك هابقى أتصل أنا بيه و أبارك له
إنصرفت بسمة بعد ذلك الحوار الذي إنتصرت فيه على غريمتها الجديدة، إنصرفت و هي تاركة سارة تغلي دماءها كأنها قد وضعت في " حلة " كبيرة من " حلل " آكلي لحوم البشر و مقاد تحتها نار كبيرة إستعداداً لطهيها و أكلها، هنا يجب التنويه و التوضيح أن المقربين جداً جداً من شريف يطلقون عليه لقب " بيشووو "، لذلك عندما لفظت بسمة هذا اللقب علمت كل من سارة و وصال أن هذه الفتاة تعرف شريف فعلاً، تعرفه جيداً، تعرفه عن قرب، لا تتدعي و لا تمثل و لا تكذب ... إنها فقط تتجمل.
ضحكت كثيراً عندما حكى لي هذا الموقف، من أعمالكم سلط عليكم، ضحكت كثيراً كما ضحكت الآن و أنا أنقلها لكم، لا أدري لماذا كتبتها، و لماذا أحكيها، ما الفائدة لا أدري، ما الهدف لا أعلم، ما النتيجة لا توجد لدي أي فكرة، فقط أحببت أن أرويها، قد هذه الحكاية تكون تحذيراً لكل من يتلاعب بعواطف نبيلة أنه سيكون ضحية لهذا التلاعب في يوم من الأيام، قد يكون توبيخاً له، قد يكون تأكيداً أن الكذب لا توجد له أرجل، حتى و إن طال عمر الكذبة.


بقلم م / مصطفى الطبجي