الجمعة، 14 يناير 2011

عالمة من بنجلاديش

لأني أحب البحـبحـة و الهشتكة و البـشتكة قررت أن أريح زوجتي من أعباء تـنـظيـف شقتنا المتواضعة التي يرمح فيها الخيل لا يـصل لآخـرها، بـحـثـنا كثـيـراً عن من يمكنها أن تـنـظف تلك الشقة المترامية الأطراف بشرط أن تتحلى بصفات الأمانة و السرعة و المهارة، بمعنى آخـر كنا نبحث عن المستحيل، بما إن القاعدة تقول إسعى يا عبده و أنا أسعى معاك، وفقنـا في العثور على أم ناجي، التي تأتي لنا مرة كل أول شهـر تعمل اللازم و نـديـها المتـفق عليه.

بالأمس فقط ضحكت حتى بكيت، و تـعجـبت حتى فهمت، كانت زوجتي و أم ناجي يـتـحدثان عن الأوضـاع الإقتـصاديـة الجـيـدة لدول النـمور الأسيـويـة و كيف أن لولا ديسيلفا ترك السطلة لأن الحكم طـرد حسام حسن، ثم بدأت وصلة الشكوى التي تعلمونها جميعاً.

طلبت أم ناجي زيادة في أجـرها، لأن ولدها الوحيد لسة خارج من السجن و محتاج مصاريف!!! " هو إبنك كان في السجن ليه يا أم ناجي؟ "، لأن الظابط لفق له تهمة إتجار مخدرات، " و هو الظابط يلفق لإبنك التهمة دي ليه يا أم ناجي؟ "، أصله مكنش بيروح يمضي كل يوم في القسم، " و إبنك كان بيروح القسم ليه أصلاً يا أم ناجي؟ "، أصل فترة المراقبة بتاعته كانت لسة ماخلصتـش و هو زهق من المرواح كل يوم، " و هو إبنك كان متراقب ليه يا أم ناجي؟ "، أصله كان محبـوس تالت سنين بتهمة سرقة محمول، " و إبنك سرق المحـمـول ليـه يا أم ناجي؟ "، قطيـعة تــقطع البـانـجـو و سنـيـنـه، مكنـش معاه فلوس يشتري بانجو فسرق المحمول من واحدة كده، " و هو إبنك بيشرب بانجو يا أم ناجي؟ "، آه ... ربنا يهديه، " طيب إنت عاوزة فلوس زيادة ليه يا أم ناجي؟ "، ماهو ناجي بياخد مني كل يوم عشرة جنية علشان القرف ده، و أنا هاجيبله منين يعني، ربنا يسترك ما تردي طلبي ..... إطلعي برة يا أم ناجي.

لذيذة أم ناجي، لديها حس كوميدي عالي، كانت هذه آخـر علاقتـنـا بها، و إن كنا قد هربنا من مشكلة إلا أننا وقعنا في مشكلة أخرى، مين اللي هيروق الشقة علشان البحبحة و الهشتكة و البـشتكة؟؟؟ الحل كان بسيطاً، إستوردت (عالمة) و ليست (عاملة) من دولة إسمها بـنـجـلاديـش، و إتـفـقت معها على تنظيف الشقة مرة واحدة في الشهـر بمرتب 1500 لحـوح، لم يكن الفرق كبير فأم ناجي كانت تأخذ 70 لحوحاً.


بقلم م / مصطفى الطبـجـي

الخميس، 13 يناير 2011

تحالفات

بـسبب كثرة شغـب جماهيـر المباريات تقليداً أعمى لبتـوع برة ممنوع تجمع أكثر من واحد، لكن لأننا نعمل بقانون خالف تعرف و تجيلي يمين أجيلك شمال فإن التحالفات إنـتـشـرت في كل مكان، هنا نـجـد تـحالف (الهلال مع الصليب) و في الشارع اللي ورانا نجد تحالف (الهلال و الجمل) و على بعد خطوتين في آخر الشارع نجد تحالف ( الطيور و الخنازير).
أما اليوم فلقد رأيت تحالفاً من نوع آخر، تحالفاً من الستينات، أو الخمسينات لا أتذكر، شاب يافع طوله لا يقل عن 178 سم يرتدي زي التـشريـفة لإحدى الكليات العسكرية يتمشى بجوار فتاة ترتدي الزي المدرسي لإحدى المدارس الثانوية، يدندنون بجوار سور الكورنيش ظهراً و ليس في منتصف الليل كما يحدث هذه الأيام.
أحـد هذه التحـالفات يعيـش تحـت خط الفقـر، و الآخـر تـحـت القـبـة، أمـا الثالث فيـعيـش على قـفانا، و العلاج التام أو الموت بالزكام، لأن دور البرد طول عمره حـر و مستـقـل.
فعلاً الحياة هذه الأيام تماماً مثل المولـد، بـس صاحـبه مـش غايـب، صـاحبـه مـوجـود و شـايـف كل حـاجـة قدام عينه و مطنـش، لأني عندما تـفحصت و تمحصت جيداً لاحظت على الفور عدم وجود دبلة الخطوبة في اليد اليمنى لكل من هذان العـاشـقـان المـأنـتـمان، كذلك طريـقـة المشي البـطيـئـة و الإبتسامة البلهاء التي تعلو وجهيهما تؤكد أنهما ليسا أخوات .... و لا حتى في الرضاعة.


بقلم م / مصطفى الطبجي

أنا عايش (مستوحاة من قصة حقيقية)


واقف في ذلك الطابور يشعر بملل شديـد، مع أن عدد الواقفين أمامه مجرد ثمانية أشخاص يقفون جميعاً أمام ذلك الشباك المعدني، لن يحتسب هؤلاء الثلاثون الذين يقفون خلفه في نفس الطابور، عددهم لن يؤثر عليه في شيئ إلا إذا هبط فوقه من تمكن من الحصول على مساعدة خارجية.
ليست المرة الأولى له و لن تكون الأخيرة، تعود على ذلك الطابور الغير حماسي بالنسبة له مرة كل ثلاثين يوماً، اليـوم هو أول الشهر و ميعاد قبض المرتب قد حان، الجميع يقف أمام شباك الخزنة في إنتظار أن يـتـلقف كل منهم مرتبه على أمل أن يشبع ما يمكن إشباعه من طلبات.
أخذ مرتبه و إنصرف في هدوء، يرى أن ذلك نوع من العبث، فهذه الملاليم القلية تكاد تكفيه لمدة عشرة أيام فقط، باقي الشهـر يعتمد على المصروف الذي مازال يأخذه من والده، طلب منه الجميع الصبـر، إنهالت عليه عبارات من عينة " ربك هيفرجها "، " بكرة تتعدل "، إلا أنه فقد الثقة بكل ما كان يؤمن به.
الإنتحار بدأ يلوح في الأفق، كأنه يشاور له من بعيد، لتيخلص من حياته التي يرى أنها مهينة، بعد أن كان الأول على دفعته و على مقربة من تحقيق حلمه بأن يكون معيداً في الكلية فوجئ بقرار إبعاده لتعيين قريبة العميد، بعد ان كان قد رسم لنفسه مستوى معين فوجئ بنفسه يعمل كعامل في أحد مصانع القطاع الخاص لتضيع أحلامه و تذهب أدراج الرياح.
حتى الطموح لا يمكن الوصول إليه الآن، فإما أن يظل بدون عمل عالة على والده أو أن يعمل في هذه الوظيفة على أمل تغير أفضل في المستقبل، إلا أن الوقت يسرقه و مواعيد العمل لا تسمح له بالبحث عن عمل آخـر، لذلك فكر في الإنتحار.
إعتقد أنه بذلك يـنـتـقم من المجتمع الذي ظلمه و حرمه هو و أهله من كل شيئ، المكان الوحيد الذي يـجـد فيه بعض الترفيه هي صفحته الخاصة على ذلك الموقع الإجتماعي المعـروف بالFacebook، بدأ للترويج لفكرة إنتحاره، خطط لأن يـقنـع بها أكبـر عدد ممكن من الأشخاص يـمـرون بـنـفس ظروفه الماديـة و النفسية السيئة و يشعرون بنفس المرارة التي يشعر بها في حلقه.
الكثـيـر بدأ يقنعه بحرمانية ما يفكر فيه، الكل حاول أن يـثـنـيـه، إلا أنه أصـر، إذا كانت لا توجد فائدة من الحياة فلما نعيشها من الأساس، هكذا إعتقد و بهذا آمن، أخبر الجميع أن إنتحاره سيكون كالقنبلة التي تهـز أرجاء البلد و تهدم أركان المنـزل.
إختار أول يوم في العام الجديد ليكون يوم إنتحاره، فهو يريد أن يكون أول منتحراً في هذا العام، عسى أن يوقظ إنتحاره ضمائر من ماتت عندهم الأخلاق، أو يصل صوته بذلك إلى من يهمه الأمـر، قبـل بداية العام الجديد بدقائق معدودة كتب كلماته الأخيرة مودعاً كل من عرفهم و أحبهم و عـذبهم معه.
إنفجار مهوول يهز أركان المدينة، تماماً كما وعـد، الضحايا كانوا بالعشرات تماماً كما وعـد، أصابع الإتهام تـشيـر للكثـيـريـن، كل من عرفوه سواء في الحقيقة أو من خلال صفحته الخاصة علموا أنه نفذ وعيده، و حقق ما كان يأمل أن يحققه.
في صباح اليوم التالي لذلك الحادث المروع دخلت على صفحته الخاصة، كل ما كان يدور في ذهني وقتها أنه يجب كتابة إستياء مما فعله، كنت أعلم أنه لا توجد فائدة مما أكتب فهو لن يقرأ شيئاً بعد الآن، إلا أن حالة الحزن التي كانت بداخلي دفعتني لفعل شيئ ما مهما كان غريباً، دخلت على صفحته الخاصة لأجد عبارة مدهشة أفرحتني ثم صدمتني " أنا لسة عايش، أنا ماموتش، أنا ماعملتش حاجة، مش أنا اللي فجرت القنبلة، أنا عايش، أنا عاااااااااااااااااااااااااايـش ".

بقلم م / مصطفى الطبجي 

الثلاثاء، 11 يناير 2011

نصيحة سرية

عنـدما كنـت جـالساً عنـد الحلاق أو كما أصبـح يطلق عليه الكوافيـر الرجالي في إنـتـظـار دوري في الحلاقة و الذي أصبح يحتاج إلى واسطة هو الآخر لتخطي كل هذا الطابور الطويل من المنتظرين و كأننا في ليلة العيد، أقبل علينا ذلك الشاب البشوش و على وجهه إبتسامة عريضة.

بعد تبادل السلام و التحية مع بعض الموجودين بكلام غير مفهوم سمعياً و لا بصرياً قال بصوت عالي " أنا عندي بكرة إمتحان "، ثم سكت قليلاً و خرج ليكمل سيجارته خارج المحل ... أقصد خارج صالون الحلاقة.

عاد مرة أخرى بعد الإنتهاء من تلك السيجارة التي كان قد أخرجها من مكان خفي في بنطاله دلالة على شربه لها من وراء اللي بـيـشبـشبـله.

قال مرة أخرى بصوت عالي و لا أعلم ما الفكرة " مش عارف أعمل إيه، كان عندي 12 يوم أقطع فيهم المادة بس ماعملتش حاجة، أعمل إيه أنا أبيض يا ورد "، الآن علمت أن ذلك الفتى لديه إمتحان عند الجزار اللي على أول الشارع، مادام الموضوع فيه تـقطيـع!!!

نظرت له طويلاً و هو يكرر الجمل السابقة بصوت عالي، في سري قلت له " طب ما تروح تذاكر ... ده أكيد حل كويس "، ظلت هذه النصيحة في سري، فشخص مثل هذا كان لديه إثناعشر يوماً و لم يستغلهم بالتأكيد لن يستغل نصيحة جوهرية من شاب بسيط مثلي، هو في الأغلب يبحث عن من يذهب للإمتحان بدلاً عنه، و أهو كله بثوابه.

لذلك تحولت النصيحة من جوهرية إلى سرية، تماماُ كشبكات التجسس السرية التي يعلن عن إكتشافها كل فترة، و التي أصبحت منتشرة في المنطقة أكثر من إنتشار شبك الصيد، الإختلاف أن الأولى تصطاد (أسرار) و الثانية تصطاد (أسماك).



بقلم م / مصطفى الطبـجي

الاثنين، 10 يناير 2011

التوقيت المحلي ( مستوحاة من قصة حقيقية )

طبـقاً لمواعيـد ساعات العمل فإن هذا اليـوم قد إنـتـهى، و الرجوع إلى دفئ المنـزل و الأسـرة هو أول المتطلبات ..... و آخرها، ركبت عربة المتـرو و جلست على أول مقعد يـقابـلني، أو بمعنى أدق إرتميـت عليه، فطبـقاً للساعة البـيـولوجيـة فإن اليوم كان يوماً منهكاً جـداً.
طبـقاً للتوقيـت المحلي لتلك المدينة العريـقة فإننا مازلنا في منتصف اليوم، الساعة  مازالت تـشيـر إلى السابعة مساءً، و إن كنت أنا قد إنـتـهيـت من هـذا اليـوم بحـلوه و مره، لكن هناك آخرون قـد إبتدى يـومهم ليـنـتهي وقت ما يحـلـو له و لهم.
بعيـن نصف مفتـوحـة من كثرة الإرهاق، و عقل نصف مشوش من كثرة التفكيـر و جسد نصف جالس من كثرة الزحام رأيته، كان واقفاً أمامي، شاباً في أواخـر العشرينات أو أوائل الثـلاثيـنـات، منظره يـؤكد أنه نزل من بيـته للتـو، شعـره مازال لامعاً من ذلك " الجيل " الذي يغرقه، في كل حركة من حركاته تـشتـم رائحة النـشاط و الحيـويـة، العطر الذي يـستخدمه مازال فواحاً، حذائه مازال لامعاً .... للغاية.
كل ما سبق كان طبـيـعيـاً، لذلك قمت بـمحاولتـيـن، الأولى أن أتجاهله و الثانية أن أخـطف نـوماً سريعاً حتى أصل لمحطتي في آخـر خط المتـرو، المؤسف أني فشلت، فضول عقلي منعني من التجاهل، و ضجيـج الركاب منعني من النوم.
يـقـف واضعاً يديه الإثـنـيـن في جيـوب بنطاله الجـيـنـز الواضح أنه جديـد، إصبـعي الإبهام هما فقط اللذان خـرجـا من ذلك الجـيـب، كأنها علامة من إحدى علامات " الروشنة "!!! لمدة ثواني ظل واقفاً بلا حراك، ثم بـدأ و ليـتـه لم يـبـدأ.
في أول الأمر كنت أعتقد أنه ينظر أمامه من باب اللياقة، فلا يجـوز أن ينظر إلى الجالسين و كأنه يحسدهم، إلا أنه في الحقيقة كان ينظر إلى زجاج عربة المترو الذي يعمل داخل النفـق كمرآة، مرآة تصلح لأن يلامس أطراف شعره ليساوي و يعـدل ما يمكن تعديله.
بـدأ في إظهار طرف التي شيـرت الأبـيـض الذي يرتديه من أسفل السويـتـر الأسود، أسقط البنطال قليـلاً، فقط ليـتـنـاسب مع المظهـر العام الذي يوحي بأنه ذاهب لمقابلة بعض الأصدقاء أو دخول أحد السينمات أو أي شيئ ترفيهي آخـر، الأكيـد أنه ليـس مديـر أمن المحطة أو وزير الأسفـلت أو رئيس شركة الطيور المهاجرة.
إستـمر في التحديق في زجاج العربة، الآن بـدأ في تعديل وضع التي شيرت، فلقد لاحظ أنه توجد به بعض الكسرات الطبـيعية الناتجة عن حركته المستمرة، في رأيي أنها لن تؤثر على جمال ذلك المشهد الخلاب، لكنه كان يرفض حتى تلك الكسرات، بدأ في تعديلها لتظهر تلك الساعة التي تلتف حول معصم يده اليسرى، يبدو أنها ساعة غالية الثمن.
لا أدري لماذا هو بالذات من وقف أمامي، و لماذا هو بالذات من لفت إنتباهي لهذه الدرجة، و لماذا هو بالذات من أردت سؤاله إلى أين هو متجه، و ماذا يعمل، خصوصاً بعدما وجدته يـجـري فور نزوله معي من عربة المترو، إلا أن الظابط و امناء الشرطة تمكنوا من القبـض عليـه ..... بتهمة مازلت لا أعلمها حتى الآن.




بقلم م / مصطفى الطبـجي