قـابـلت صديـقاً قديـماً بالأمـس، تـكلمنا عن الذكريات، تـوقـف هـو عنـد ذكـريات المرحلة الجامعيـة و أجـواء الكـليـة و عدت أنا لماضي أكثر قدماً، بينما كان يحدثني رجعت بظهري أستند على مسند ذلك الكرسي عجـيب الشكل في ذلك المطعم غالي الثمن، و لأن ما يشغل بالي حالياً هو تحسين كتاباتي و تطويـر أسلوبي و تجديد أفكاري فـلقـد توقف بي قطار الذكريات عنـد المرحلة الإعدادية.
تحسن في أسلوب الكتابة كانت نـتـيـجة طبـيـعيـة لبعض المحاولات الفاشلة، تلك المحاولات التي كانت تطوراً مفاجئاً لحب القراءة، ذلك الحب الذي نـشأ عن منافسة طفولية، تـلك المنافسة التي كانت حلاً نـبـيـهاً للهروب من طابور الصباح المدرسي و رغبة مني في عدم الوقوف " صفا " و " إنـتـباه ".
عندما كنت في المرحلة الإعدادية و على الرغم من أني أحياناً كنت لا أحضر طابور الصباح بسبب أني أقدم بعض الفقرات في الإذاعة المدرسية، إلا أني لم دوماً من ضمن فريق الإذاعة الصباحية، و كان هذا يضرني آسفاً إلى الوقوف مع باقي زملاء الفصل للإستمتاع بالكثير و الكثير من الصفا و الإنـتـبـاه التي حتى الآن مازال مدرسون التربية الرياضية يمارسونها مع الطلاب معتقدين أنها بذلك تجلب النشاط الكافي لإستكمال يوم دراسي عنيف آخـر.
كان الحل اللـولبي هو اللجوء إلى المكتبة، وقتها كان السؤول عن المكتبة يريد من بعض الطلبة أن يساعدوه في تصنيف و ترتيب الكتب و تحديـد الكـتب المستعارة و هل تـم إرجـاعهـا من قـبل الطالب المثقف المستعير أم " إنضرب " على الكتاب و ذهب أدراج الرياح، و لأن ثقافة " الكوسة " و " المحسـوبـية " هي صفة متأصلة في الشعب المصري فلقد هداني تـفكيـري النموذجي إلى البحث عن من يكن له دلال عند أميـن المكتبة، و خدمني الحظ عندما علمت بالصدفة أنه أمين المكتبة صديق شخصي لأحد أقاربي المقربـيـن.
كنا على ما أتذكـر سبعة طلبة و طالبات مسؤولون عن المكتبة، ندخل في الصباح من بوابة المدرسة مباشرة إلى المكتـبـة، و نظل بها حتى صعود الطلبة إلى الفصول، في بعض الأحيان كان يمكننا الإستئذان من مدرس الحصة لأننا نـنجز بعض الأعمال في المكتبة، بعض الأعمال المهمة و المفيدة للحياة البشرية، و مع تطور الأمور بدأت تظهر بيننا نحن السبعة منافسة طريفة، من منا أكثر إستعارة للكتب، و لأن أي طالب يستعيـر من المكتبة لابد أن تكون له إستمارة خاصة به عليها إسمه و صورته، فقد كنا نـتسابق من منا سينـتهي من ملأ إستمارته التي كانت تكفي لإستعارة ثلاثون كتاباً.
لاحظ أمين المكتبة هذه الأفعال الطفوليـة، و هذا التـنـافس الغيـر مفيد لأننا لم نكن نقرأ أي من الكتب التي نستعيـرها، فقط كنا نبحث إستكمال أكبر عدد من الإستمارات، و يا عيني اللي كان ياخد يوم أجازة، سيصبح متأخراً عنا بكتاب!!! كان الحـل الغير ظريف وقتها هو أن مع كتاب تـستعيره لابد أن تكتب ملخص موجز عن الكتاب، و كانت هذه الصدمة الكبرى، فسوف نضطر للقراءة.
هنا كانت بداية مشوار طويل قصير جداً، فبعد أن كنا مضطرين للقراءة، تحولت إلى حب القراءة، بدأت أقرأ في جميع المجالات، أصبحت القراءة هوايتي الأولى ..... و الأخيـرة، عشقتـها أكثـر من عـشقي لكـرة القـدم و بسكويت الشمعدان و فيلم الشعلة الهندي الذي كان يعرض كل عيـد، بدأت تـقـليد بعض الكتاب الكبار في كتاباتهم، و فشلت، حتى ظهر أسلوبي الخاص، حاولت كتابة أشعار رائعة، و فلشت، حتى وجدت نفسي أكتب قصائد مرتبة معبرة، وقعت مراراً و وقـفت على قدمي مرة أخرى، تعلمت أنك لكي تكون صلباً في عالم كهذا يجب أن تكون قد إنكسرت من قـبل، و نهضت من جديد.
بقلم م / مصطفى الطبجي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق