جميعنا أو على الأقل معظمنا شاهد برنامج حدث بالفعل و الذي كان يعرض على إحدى القنوات المصرية الأرضية و ذلك قبل ظهور عصر الأقمار الصناعية و سيطرة القنوات الفضائية على عقول و تفيكر و إنتباه السادة المشاهدين، المهم و حتى لا أطيل عليكم فإن هذا البرنامج كان يذكرنا - نحن السادة المشاهدين - بأحداث عالمية أو محلية أو مهلبية حدثت في مثل هذا اليوم الذي نعيشه حتى يتذكر الجميع تاريخنا بما فيه من إنتصارات و إنكسارات، بما فيه من تقدم و إنتكاسات، و الذي جعلني أتذكر هذا البرنامج الأكثر من رائع هو أني أثناء تواجدي على أحد الكباري التي تقطع نهر النيل العظيم - جداً – ذكرتني مشهد المياة بموقفين حدثا مع أشخاص كانت تربطني بهم علاقة زمالة و ذلك أثناء فترة الدراسة الجامعية، فدعوني أتذكر معكم الموقفين.
الموقف الأول حدث عندما قرر إثنين من زملائي أن يذهبا إلى مدينة المنصورة و ذلك لكي يحضرا فرح صديقهما الثالث و الذي تزوج على الرغم من أنه كان مازال طالبأ في الكلية و لكن القلب و ما يريد، و الفلوس موجودة، المهم و لأن الشابين كانا من سكان الإسكندرية فقررا أن أنسب و أسرع طريقة للذهاب إلى المنصورة هو أن يركبوا " بيجو سبعة راكب " و بالفعل ذهبا إلى موقف الإسكندرية - و ذلك قبل أن يتم نقله إلى أطراف الصحراء- و وجدا ما يبحثان عنه عندما سمع رجلاً يقف بجوار سيارة بيجو و ينادي بصوت عالي " منصورة .. منصورة ... منصورة و طالع نفر واحد .. منصورة " و إنطلق البيجو على بركة الله إلى عروس النيل مدينة المنصورة، و لكنهما عندما وصلا كانت في إنتظارهما مفاجأة كبيرة.
عندما نزلا الإثنين في الموقف المخصص للبيجو وجدا أن كل السيارات مكتوب عليها " ملاكي دقهلية " أو " أجرة دقهلية " و لا توجد أي سيارة " ملاكي المنصورة " و هنا علم الإثـنان أن سواق البيجو قد نصب عليهما حيث أنه أنزلهما في الدقهلية و ليس في المنصورة!!!! و عندما طلبا من أحد سائقي التاكسي أن يوصلهما للمنصورة كان رده " بطلوا اللي بتشربوه ده بقى "
الموقف الثاني حدث معي عندما قررت أنا و أحد زملائي و كان من سكان الأرياف أن نذهب لقضاء بعض الأيام مع زميل ثالث لنا و الذي كانت له شقته الخاصة في مدينة السادس من أكتوبر، و كانت فرصة جيدة لنا جميعا للخروج من أجواء الدراسة و المذاكرة و تعب القلب و الأعصاب، و عندما وصلنا إلى هناك و بعد أول يوم فوجئنا بزميلنا الريفي يطلب منا أن نذهب للشاطئ، نظرنا إلى بعضنا البعض و سألناه عن أي شاطئ يتحدث فقال بمنتهى البساطة و هو يعتقد أننا في قمة التخلف " البحر!! هو إنتوا في الطراوة و لا إيه؟ "، حاولنا كثيراً إقناعه أن مدينة السادس من أكتوبر تقع في قلب الصحراء و لكنه ظل طوال اليوم يعتقد أننا نكذب لأننا لا نريد الذهاب إلى الشاطئ.
بعد أن تذكرت الموقفين حزنت حزناً شديداً على أنني كنت شاهداً على هذا التخلف و الجهل، فكيف لشاب عمره تجاوز العشرون عاماً و مازال لا يعلم أي شئ عن بلده، لا يعلم أين توجد المدن، لا يستطيع أن يفرق بين مدينة و محافظة و مركز و قرية و نجع و عزبة و عجلة و فيزبا، لا يعلم أن لوحات السيارات - قبل أن تتجدد - كانت تكتب عليها إسم المحافظة و ليس إسم المدينة، من المسؤول عن خروج شباب مثل هؤلاء إلى الحياة العامة ؟ و السؤال الأهم هل شباب بمثل هذه العقلية المظلمة و هذه الثقافة الفارغة و التفكير المتوقف يمكنهم أن يساعدوا في نهضة بلدهم ؟ هل يمكن أن نعتمد في نهضتنا الصناعية - إن وجدت - أو الزراعية أو التجارية على شباب لا يعرف كيف يفرق بين الألف و ثمرة الباذنجان ؟ لا يعرف الماضي و لا الحاضر , لا يهتم إلا بأحدث صيحات الموضة و آخر أغاني العسولة و عدد أزرار القميص المفتوحة .... حقاً لك الله يا مصر
بقلم م / مصطفى الطبجي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق