السبت، 16 أكتوبر 2010

كنت أعرفه صغيراً

كنت أعرفه صغيراً

أكتوبر 2010

مر من أمامي و أنا جالس مع أحد أصدقائي القليـليـن في أحد الحدائق العامة نـتـباحث في أمور الدنيا، بالرغم من أني أكبر منه عمراً إلا أن مظهره يوحي بأنه أكبر مني بعقود كثيرة، فظهره المحني و قدماه التي بالكاد تتحمله و العصى التي يتكأ عليها و يداه المرتعشتان توحيان بهذا، ملامح وجهه توحي بأنه كان وسيماً فيما مضى، وسامة لم تستطع تلك التجاعيد و الإصابات و الندبات التي تملأ وجهه أن تخفيها كلياً، و إن كانت قد طمست بريقها، لاحظت في مشيته البطيئة الرتيبة أن قدمه اليسرى توجد بها إصابة بالغة، فهي بالكاد تتلامس مع الأرض، يرتدي معطفاً بالي لا أدري لونه بالتحديد من كثرة ما به من رقع و بقع، هممت أن أقوم من مكاني لأذهب إليه، لكني تراجعت، فلا يوجد عندي ما يمكن قوله.

إبريل 2008

واقـفاً على الرصيف، محني الظهر، لا ينظر للأعلى و كأنه مكسور العين، معطفه البالي يوضح حالته الإقتصادية الهشة، و يأكد أنه تخطى خط الفقر بمراحل عديدة ليصبح على الهامش، كان يبدو عليه الشرود، فهو لم يلمح تلك السيارة القادمة بسرعة و هو يعبر الطريق ببطء و كانه لم يعد يبالي، في المستشفى أخبروه أن إصابته خطيرة، و لأن حالته الصحية خطيرة و حالته المادية فقيرة فكان العلاج هو نص جبـيـرة و ربنا الشافي العافي، لذلك لم تصبح قدمه اليسرى كما كانت قبل الحادث، فلقد أصبحت عظامها هشة كما انها أصبحت أقصر من القدم اليمنى، ما باليد حيلة، كل ما إستطاع الحصول عليه خلاف العلاج الخاطئ هو عصاة يتوكأ عليها، عسى أن تكون بديلاً لقدمه التي ضاعت نتيجة إهمال ... أو كسل ... أو بلادة .... أو لا مبالاة.

سيـبتمبر2001

يركض بسرعة كبيرة كأنه عداء متمرس أو مخترق ضواحي في أحد الدورات الأولمبية، إذا نظرت إليه و هو يفادي الناس يميناً و يساراً ستعلم أنها ليست المرة الأولى التي يركض بهذه الطريقة، كأنه يعرف مسبقاً أماكن تواجدهم، متوقعاً لتحركاتهم، قبل أن تحكم عليه و على سبب ركضه يجب أن تلاحظ أنه لا يركض وحيداً، هناك ثلاثة أشخاص يركضون معه، أو الأصح يركضون خلفه، من النظرة الأولى ستعرف أنهم من الفاسدين أخلاقياً، محنكين إجرامياً، متحجرين قلبياً، أسلحتهم البيضاء تلمع في نور الشمس، الجميع يتحاشاهم حتى رجال الأمن، لأنه في النهاية و بعد كل شئ فإن من يركضون ورائه ليس سوى صعلوكاً آخر لن يضر البشرية في شئ إن مات أو قتل أو جرح، أمسكوا به بعد فترة ركض طويلة، لهاثهم يتقاطع مع كلماتهم الغاضبة المهددة و المنددة، الحق أنه كان شجاعاً و لكن كما يقال الكثرة دائماً ما تغلب الشجاعة، تكالبوا عليه و أصابوه بعدة طعنات في بطنه، و جرح في جبينه، واضح من الإصابات أنهم لم يكن ينون قتله، هم فقط يريدون زيادة جراحه و كأنها عملية ممتعة بالنسبة لهم.

مايو 1992

يجلس في الشرفة الضيقة بشقته الصغيرة في تلك الحارة المجهولة الإسم، تلك الشقة التي إستطاع بالكاد أن يوفـر ثمنها، فكل ما إستطاع أن يدخره في حياته وضعه في تلك الشقة آملاً أنها ستكون خير سند له في مواجهة تلك الحياة التي ترفض أن تعطيه وجهاً مبتسماً، يرشف من كوب الشاي رشفة ثم يضعه على سور الشرفة، لكنه يفاجأ بأن الكوب الوحيد الذي يمتلكه قد وقع على الأرض و إنكسر، قبل أن يستعجب أو يستغرب سمع صراخ الجيران من حوله و هم يقولون زلزال، نزل إلى ذلك الزقاق الضيق يركض كما تعود مع الراكضين، لا يعلم إلى أين يذهب أو من أين أتى، الكل يركض و يركض و يركض، هنا تذكر أن ترك باب الشقة مفتوحاً فرجع إليها خوفاً على ما فيها، رجع ركضاً و الجميع من حوله يركضون أيضاً، دخل الشقة، نظر إليها نظرة الوداع كأنه مدرك لما سيحدث لهذا البيت القديم، ترك مجهود عمره و إنصرف و لكن البيت القديم تهدم فوقه وكانه يأبى الفراق، إرتجاج في المخ و رعشة مستمرة في أطرافه هما محصلة ما جناه اليوم.

أكتوبر 1981

شاب في عمر الزهور، على مشارف الثلاثين من عمره، يحلم أحلاماً وردية لحياة يتمنى أن تكون سعيدة، عائد من عمله الذي يبدع فيه مع أنه كان لا يتمناه بأي حال من الأحوال، لكنه القدر، ملابسه المهندمة و حذائه اللامع يوحيان بأنه من عائلة مقتدرة، يحب المشي لأنه رياضة، لا يهم أنه يمر كل يوم على نفس الأماكن و نفس الأشخاص، هو يعتقد أنه بذلك تتكون لديه ألفة مع الاماكن قبل الأشخاص، فذلك عم حسنين البقال و هذا أستاذ صابر الترزي و ذلك صالون الحلاقة الذي دائماً ما يقص شعره فيه، أما هذه فهي السيدة أم فاطمة الجالسة أمام الكشك الخاص بها و الذي تصرف منه على أولادها الخمسة بعد أن هجرها زوجها، يسمع صوت إستغاثة، يلتفت ليجد أنسة واقعة على الرصيف و شخص ما يمسك بحقيبة يدها و يجري مبتعداً عنها، يجري مبتعداً نحوه، حاول إمساكه بكل قوة، لكن ذلك اللص عاجله بضربة كسرت فكه السفلي، حاول عرقلته مجدداً و نجح هذه المرة، لكن العرقلة أوقعت اللص أسفل أتوبيس نقل جماعي مسرع لا يوجد به فرامل، مات اللص و حكم على ذلك الشاب الشجاع بالحبس عام، ليطرد من عمله و تضيع أحلامه.

يونيو 1967

على أعتاب مرحلة تسمى بالمراهقة، منبهر بكل ما تقع عليه عيناه، اليوم يحلم بأنه سيكون طياراً لامعاً، بالأمس حلم أنه مهندس مشهور، غداً سيكون حلماً آخر، إمتد إنبهاره بالأفلام الأمريكية و ما تحتويه على حركات تسمى " أكشن "، فكانت من ضمن أحلامه أنه سيكون بطلاً عالمياً في جميع الرياضات، و إن كان هذا الحلم الوحيد الذي بدأ تنفيذه منذ الصغر، فلقد كان يقلد جميع الحركات التي يراها في الأفلام، في أول الأمر كان يقلدها في غرفته دون أن يراه أحد، ثم بدأ يقلدها أمام أبيه و أمه و هم ينظرون إليه ضاحكين مبتسمين، ثم بدأ يقلدها أما أصحابه و هم ينظرون إليه حاقدين مبهورين، ثم بدأ يطبقها على الجميع، بدأ يفتعل أي مشاجرة فقط لكي يطبق ما تعلمه و ما رأه ظناً منه أن هذه أقصر الطرق إلى البطولات، أو أنه الطريق الوحيد، الشكاوى زادت منه إلى أبيه، كان لابد من عقاب رادع، و الحرق بالملعقة في كل مرة كان في رأي أبيه هو أنسب الحلول بعد منع مشاهدة الأفلام الأمريكية، حرق بالملعقة و الأم تقف ساكتة موافقة و الطفل يصرخ و الدخان يتصاعد.

يوليو 1952

طفل يحبو على يديه و قدميه، يحاول إستكشاف العالم من حوله، و العالم هنا هو عبارة عن الشقة التي يعيش بها مع أبيه و أمه، هي شقة محدودة لكن بالنسبة له هي عالم واسع لا نهاية له، لا يترك درجاً إلا و يفتحه، لا يترك شيئاً إلا و يلمسه، لا يترك باباً إلا و يعبره، حنان و محبة والديه كانتا لا توصف، فهو البكر و سيكون الوحيد لا لشئ و لكن لأنه أمه لن تقدر على الحمل مرة أخرى، كأنه أراد أن يكون وحيداً حتى و هو جنين في رحم أمه، يحبو على الأرض ليصل إلى البوتاجاز، يحاول التمسك به ليقف على قدميه، تلاحظه الأم و تنظره إليه باسمة، قبل أن تكمل الإبتسامة التي كانت إلى حد ما صفراء ينسكب عليه الماء المغلي ليحرق جزء من يده اليمنى و صدره و جزء من فروة رأسه.

مايو 1948

عندما ولد تطلعت إليه، كان طفلاً جميلاً، عيناه متسعتان فيهما بريق و كأنهما مليئتان بالأسئلة و الفضول، حركاته البسيطة توحي بذكاء فطري يريد أن ينمو رغم أنف الجميع، إبتساماته التي كان يوزعها هنا و هناك تنتظر رداً عن كل سؤال يسأله، إذا نظرت إلى أعين و الديه ستجد الفرحة تملأهاو لكنها فرحة ينقصها شئ ما، الكل لاحظ ذلك و لكن لا أحد يعلق و لا أحد يتكلم، الكل بما فيهم أنا كنا نتمنى مستقبلاً مشرقا و نجاحاً باهراً لهذا الطفل، نجاحاً المفترض أنه كان نتيجة حتمية أو طبـيعية لنجاح والده.

بقلم م / مصطفى الطبجي

الأربعاء، 13 أكتوبر 2010

سيب الفار يعيش

كنت في العمل أمارس طقوسي الروتينية اليومية بالمرور على الموقع للتأكد من عدم وجود أي أعطال قد تسبب كارثة من الكوارث التي نسمع عنها في الصحف اليومية، إتصلت بي زوجتي الصابرة التي إبتلاها الله بزوج مجنون مثلي لتسألني " أعملك إيه على الغدا ؟ "، سؤال دائماً لا أعرف له إجابة محددة حيث أن كل معلوماتي عن المطبخ أنه يتكون من أربع حروف، أجبتها إجابتي النمطية المتكررة " إعملي أكل!! "، و حتى لا تصاب بضيق خلق أو إنفجار في الصبر أو تليف في الهدوء قالت لي " طيب خلاص هاعمل مكرونة إبقى إشتري طماطم و إنت راجع " سألتها بهدوء مماثل " عاوزة طماطم أم 12 جنيه الكيلو الجامدة بتاعة السلطة و لا أم 9 جنيه الكيلو المفعصة بتاعة الصلصة؟ "، ردت " لا... أم 12 جنيه ".

وصلت إلى المنزل و تناولنا الغداء و " عشمت " نفسي بكوب من الشاي الساخن ثم الجلوس أما التليفزيون لكن زوجتي فاجأتني بعبارة " في فار في الشقة "، إنتفضت من مكاني ليس خوفاً من الفار ولكن خوفاً على " العفش " الذي مازال جديد و على زوجتي التي مازالت خائفة و على ولدي الذي مازال طفلاً، حاولت عبثاً معرفة من أين أتى هذا المخرب، فكل الأبواب مغلقة، و كل الشبابيك محكمة، و كل الأسلاك سليمة، و كل البلاعات مغطاة، و " كله في التمام ".

أيقنت أن كل محاولاتي سوف تذهب أدراج الرياح، فهؤلاء العفاريت الصغار يمكن أن يدخلوا أي شقة من " خرم إبرة " و لن يجدي البحث عن شئ إلا ضياعاً للوقت، نزلت مسرعاً و إشتريت مصيدة مكعبة الشكل، مستطيلة الأضلاع، نحاسية الخامة، غالية الثمن و علقت بها قطعة خيار و وضعتها في المطبخ، .... و إنتظرنا.

مر يوم ثم الثاني و لا أثر للفأر، فهو لم يقترب من المصيدة نهائياً، و كأن هذا المخلوق الصغير قد إزداد عقله ذكائاً، أو أنه مدرب على أعلى مستوى، رميت قطعة الخيار و علقت بدلاً منها قطعة جبنة رومي، كان يدور في ذهني وقتها مشهد من مشاهد حلقات " توم آند جيري " الشهيرة، قررت تغيير مكان المصيدة عسى أن يكون المطبخ منطقة عسكرية لا يقترب منا الفأر، وضعت المصيدة في الحمام، ... و إنتظرنا من جديد.

" مش حرام الجبنة دي كده، مش أحسن لو كنا جبنا سم فران؟ "، هذا ما قالته زوجتي بعد مرور يومان و عدم ظهور أي أثر للفأرمع العلم أن مخلفاته كانت مبعثرة هنا و هناك، يبدو لي أنه يزداد ذكاء مع مرور الوقت، و يبدو لزوجتي أني أزداد إحباطاً مع مرور الوقت، لذلك و عملاً بنصيحتها إشتريت سم فئران و رششته على باب الحمام و المطبخ، و أرسلت طفلي في إعارة مفتوحة لأم زوجتي حتى نـنـتهي من هذا الكابوس " المزفع " على رأي الأستاذ عوكل.

لم ينتج عن السم إلا مزيداً من إهدار الوقت، المصيدة مفتوحة خاوية على عروشها، السم مرشوش و عليه الأتربة، و هذا المخرب مازال يعبث في الشقة فساداً لا ندري أين يختبئ أو من أين اتى أو هل مازال موجود، أم دعا بعض أقرانه على وجبة عشاء في هذا البيت الكريم الذي يتصف أهله بالطيبة الكافية و التي تجعلهم غير قادرين على طرده من عرينه، و كأنه أسد غضنفر قوي الشكيمة ماكر التفكير، لديه من الدهاء ما يفوق الثعالب و من المكر ما يفوق الثعالب أيضاً.

عدت إلى فكرتي الأولى و هى إستخدام مصيدة الفئران، فأنا مازلت معتقد أنها أفضل وسيلة لإصطياد فأر شارد، فكرت في هذه المرة أن أستخدم رأس سمكة من بواقي السمك المقلي الذي أكلناه البارحة، فالسمك له رائحة نفاذة تجذب القطط و " البني آدمين " فما بالك بالفئران.

إستقبلت فشل رأس السمكة في جذب الفأر كما إستقبلت فشل هيلاري في الفوز بالرئاسة، بمعنى أنه كان أمراً متوقعاً، هنل قررت اللجوء لسلاحي الأخير - أو قبل الأخير -، سوف أستخدم الطماطم، فأنا أعتقد أن هذا الفأر إبن ناس و لن ينجذب لشئ رخيص الثمن، أخبرت زوجتي بهذه الفكرة فقالت " إيه عاوز تحط للفار طماطم من ام 12 جنيه الكيلو ؟؟ ... لا سيب الفار يعيش أحسن ".

بقلم م / مصطفى الطبجي

الخميس، 7 أكتوبر 2010

حتى تكتمل الدائرة

إستيقظ طفلي البالغ من العمر تسعة أشهر مفزوعاً من نومه يصرخ بلا إنقطاع، السبب الرئيسي و الوحيد و المتكرر هو صوت المؤذن الذي يؤذن لصلاة الفجر بصوته الذي يشبه إلى حد كبيـر صوت موتور السيارة الغير صالح للإستخدام أو صوت آلة الفوفوزيلا الشهيرة، تحدثت و تحدث غيري الكثيرون مع المسؤولين عن المسجد في محاولة منا لتغيـيـر هذا المؤذن الغير ملائم سمعياً، حاولنا جاهدين إخبارهم و إقناعهم أن المؤذن يحبذ فيه حلاوة الصوت كما كان مع بلال رضي الله عنه، طبعاً بالإضافة إلى تقواه و ورعه و معرفته بأصول الدين، لكن الرد الغريب و العجيب على قلوبنا و عقولنا أنهم أصروا عليه بحجة أن أباه و جده كانا مؤذنان لنفس المسجد و هو أحق بهذه الوظيفة من غيره، لم أكن أعلم أن التوريث موجود هنا ... أيضاً.


لا أستطيع أن أنسى شكل وجوههم و هي تمتلئ بملامح اللامبالاة و عدم الإكتراث لمشاعر الجيران من حولهم، هذه الملامح التي جعلتني أفكر جدياً في قطع سلك الميكروفون مهما كانت العواقب وخيمة، لكن في الحقيقة ملامح الامبالاة هذه ذكرتني بموقف آخر لأ أدري إن كان موقفاً هزلياً أم موقفاً مأسوياً، ففي يوم من الأيام كانت واقفاً بأحد كمائن المرور الفجائية و التي كثيراً ما أصادفها و كأنني شخص مرزق، الساعة كانت قد تخطت الواحدة صباحاً " ومحدش يسألني كنت بتعمل إيه في وقت متأخر زي ده؟ "، كنت أستطيع أن أرى من مكاني ظابط المرور و هو يرى بنفسه رخص كل سيارة، و أيضاً كنت أراه يسحب بعض هذه الرخص و يطلب من أصحابها " الركن على جنب "، عندما إقتربت من الكمين طلب الظابط من صاحب السيارة الفاخرة التي أمامي أن " تركن على جنب " و قام بسحب الرخص، عندما كان الظلبط يعاين رخصي كنت أنظر إلى الشاب الممتلئ الذي نزل من تلك السيارة الفاخرة و على وجهه إبتسامة لامبالاة أو عدم تقدير للموقف، الأغرب في الموقف أنه عندما نزل من السيارة لم يتوجه إلى الظابط كما جرت العادة، لكنه إتجه إلى صديق له تم سحب الرخص منه و من نفس الظابط، تبادلا التحية و وقفا يتكلمان قليلاً، لاحظهما أمين شرطة فنادى عليهما بصوت عال " خف رجلك يا نـنـوس منك ليه ".


عدم إحساس بالمسؤولية هو أبسط تعبـيـر يمكن أن يطلق على هذان الشابان " الكتكوتان "، هذا التعبـيـر البسيط في عدد كلماته الكبيـر في معناه يمكن أن يطلق أيضاً على ذلك الشخص الذي إنكسر محبس المياة العمومي أمام منزله و رفض أن يصلحه لأنه يخص جاره ..... " ما تيجيوا أحكيلكم الحكاية من أولها "، صلوا على حضرة النبي .... زيدوا النبي صلاة ... على بعد شارعين من منزلنا المتواضع إنكسر محبس مياة عمومي أمام منزل " صاحب السيـبـر اللي أنا واخد منه وصلة "، نتيجة هذا الكسر ثم الإهمال أن منسوب المياه زاد بدرجة كبيرة جعلتها تصل على بعد شارعين " قاطعة عيش " أصحاب المحلات المختلفة، عدم إحساس بالمسؤولية و عدم مراعاة مشاعر الآخرين جعل الجميع بمن فيهم صاحب المشكلة ينتظرون إسبوعين كامليـن حتى يضعوا حلاً للمشكلة بعدما إدعى كل منهم أنه مهم في عمله كالدكتور زويل أو " ماجابتوش ولادة " مثل الدكتور البرادعي " و لا بلاش البرادعي ".


الكارثة السابق ذكرها بما فيها من عدم مراعاة لمشاعر الآخرين تتماثل تماماً مع ما يفعله سائقي التوك توك في شوارعنا النظيفة ..... جداً، ففي أي مكان صحرا كان أو بستان سوف تجد أن سائق التوك توك قد وضع سماعتان كبيـرتان فوق الكرسي أو " الكنبة " الخلفية للتوك توك، سماعتنان قد يفوق حجمها حجم التوك توك نفسه، و وصلهما بتسجيل مستعمل " نص لبة " يعمل على بطارية " نص عمر " ليخرج إلينا صوت " ربع مفهوم "، طبعاً لن أتكلم عن أن هذا السائق " السـمّـيع " قد جعل الصوت على أعلى ما يمكن و كأنه يريد أن يخبر جميع من في المنطقة البالغ مساحتها 2 كيلومتر مربع أنه موجود يعيش و يتعايش، ليس المهم أن هناك شخصاً مريض يجب أن يكون بعيداً عن الإزعاج، أو طفلاً نام بعد أن " ورّا أمه الويل "، المهم " مزاج " سعادة البيه صاحب التوك توك.


أعلم جيداً أن هذا الطفل ربما كان قد سبب مشاكل لأمه حتى ينام ليس لأنه مزعج أو مشاكس أو عنيد، بل لأن درجة حرارته قد تكون مرتفعة و لم يفطن الطبيب المعالج عن سبب إرتفاع درجة الحرارة، فعلى مدار ثلاثة أسابيع كانت تذهب الأم المسكينة إلى الطبيب " اللي كل مرة يزود تمن الكشف "، فيقوم الطبيب بالكشف على الطفل بالسماعة الطبية و يخبر الأم أن طفلها سليم و الصدر سليم و أنه مجرد " دور برد "، بعد أخذ مختلف الأدوية التي وصفها الطبيب ترتفع درجة حرارة الطفل مرة اخرى، تذهب الام للطبيب لتخبره أنها تعتقد أن طفلها يعاني من إلتهابي رئوي، فينظر الطبيب إلى الأشعات التي طلبها منها و يؤكد لها بالفعل أن الطفل يعاني من إلتهاب رئوي حاد، و يبدأ مسرعاً في كتابة الأدوية المطلوبة، تتطلب منه الأم أن يريها على الأشعة مكان الإلتهاب فيشير إلى عظمة الترقوة، تعلم الأم أن هذا الطبيب لا يوجد لديه أي نوع من أنواع الضمير كما أنه يعرف عن الطب ما يعرفه الديك الرومي عن كيفية عمل الملوخية، تصرخ الأم في وجهه و تسأله ما دور هذه السماعة التي يضعها في إذنه ليل نهار إن كان لا يعرف كيف يشخص مرض طفلها فأخبرها " و هو إنت فاكرة السماعة دي بتعمل حاجة " و ألقاها في صفيحة القمامة.


و مدام الحديث قد تطرق إلى صفيحة القمامة، فلا يجب أن ننسى صفائح القمامة الوهمية الموجودة في شوارعنا، حيث أنك عندما تلقي كيس القمامة بها سوف تفاجأ أنه لا يوجد بها قاع و أن كيس القمامة قد بعثر على الأرض لتأكل منه القطط و كأنه رزق حلال لها، لذلك لم يكن عجيباً أن أرى مؤذن المسجد المجاور و هو يحاول جاهداً أن يعلق كيس القمامة في مكان عال لا تصله القطط حتى لا تلوث المكان حول المسجد، ثم دخل إلى المسجد ليؤذن لصلاة الفجر ليستيقظ طفلي من جديد.

بقلم م / مصطفى الطبجي

الاثنين، 4 أكتوبر 2010

مين يدي لمين ؟؟؟

اليوم و أنا جالس أمام جهاز الكومبيوتر الخاص بي أحاول تجاهل آلام ظهري لأبقى تركيزي مستيقظاً لكتابة موضوع جديد يرضي غروري إذ بزوجتي تفاجئني كعادتها بسؤال لا توجد لدي إجابة عليه " تفتكر صاحبتي فلانة إتجوزت مين؟ "، لا أدري سبب سؤالها لمثل هذا السؤال، فأنا بالكاد أعرف صاحبتها هذه أو زميلتها في العمل! فمن أين لي معرفة زوجها و المفترض أنها تزوجته حديثاً؟؟، قلت لها بأسلوب رتيب " إتجوزت مين؟ " فقالت لي " إتجوزت شحات ..... "، هنا تركت الكيـبـورد و الجهاز بأكلمه و إلتـفت لها مذهولاً " أشمشم " عن رائحة مقال جديد.

طلبت منها أن تعد كوباً من الشاي و " ساندويتش " جبنة رومي و تحكي لي الحكاية " من طأطأ لسلام عليكم "، أعدت المطلوب وأعددت أنا ذهني و تركيزي و كل حواسي لسماع الحكاية الأعجوبة، قال لي أن صديقتها كان قد تقدم لها عريس منـذ سنة تقريباً و عندما سألوا عن العريس و أسرته و جدوا أنهم أناس طيبون " في حالهم " و مستواهم المادي ممتاز حيث أن هذا الشاب رغم صغر سنه إلا أنه يمتلك سيارة غالية الثمن كما أن باقي الأسرة يبدو من مظرهم العز ثم العز ثم العز، وافق أهل صديقتها على الفور بهذا العريس " اللقطة " و هذه الأسرة الكريمة و بدأت مرحلة فرض الشروط، عاوزين شبكة ب 15 ألف جنيه، " ماشي "، عاوزين شقة مساحتها حلوة، " موجودة "، عليكم الصالون و السفرة و النوم، " موافقين "، و تمت الزيجة على خير ما يكون، بعد شهرين من الزواج لاحظت الزوجة المخدوعة أن الجميع لا يذهب للعمل بما فيهم زوجها فسألت عن طبيعة عمل زوجها الذي ظل طوال فترة الخطوبة يكرر أنه " أعمال حرة "، قال لها الزوج ببساطة " إحنا بنشتغل شحاتـيـن، العيلة كلها شحاتة، بس شغلنا كل في شهر رمضان و اللي بينطلع بيه بيظبطنا طول السنة مع شوية إكراميات بقى بقيت السنة " ظنت الزوجة أن زوجها يضحك معها لكنه أكمل قائلاً " جهزي نفسك عشان هتنزلي معانا في رمضان الجاي، فاضل عليه أسبوعين كل سنة و إنت طيبة ".

ما سبق كان قصة حقيقية بدون زيادة أو نقصان، و يمكن أن يعرض في فيلم سينمائي ليكتب في الأفيش Based in true story، زوجتي بعد إنـتـهت من حديثها و إنـتـهيـت أن من تناول "ساندويتش " الجبنة الرومي و شرب الشاي وجدتني غير مندهش و كأني متوقع لحقيقة مثل هذه، سبب عدم إندهاشي ليس أني امتلك الحاسة السادسة و أشعر بالأشياء قبل حدوثها أو أني أمتلك الحاسة السابعة و أستطيع قراءة ما يدور بعقل من يكلمني، كل ما في الأمر أن كان لدي سابق تجربة مشابهة لما حدث.

عندما كنت طالباً في الثانوية العامة، و كأي شاب مراهق مازالت تتكون لديه مختلف المشاعر و الأحاسيس السلبية و الإيجابية، كنت أمر دائماً و أنا في طريقي للمنزل على " شحات " يجلس في نفس المكان يومياً، لا يتركه و لا يغيره و كأنه مكتوب بإسمه، كان منظر هذا " الشحات " دئماً أو غالباً ما يؤثر في نفسي مما يجعلني أخرج من جيبي ما تبقى من مصروفي اليومي لأعطيه إياه، إنحفر وجهه في عقلي من كثرة ما مررت عليه،و إعتقدت أنه أصبح يعرفني من كثرة ما أعطيته، حقيقة كنت سعيداً جداً وقتها مع إحساسي أني أساعد شخص لا يقوى على العمل، إلا أن جاء يوم تبدل في الواقع، و إختلطت فيه مشاعر الفرحة بالدهشة بالغضب بالحزن، فلقد قررت في يوم " التزويغ " من أحد الدروس و دخول السينما أنا وشلة أصدقاء الفشل، جلست على الكرسي المحجوز لي لأفاجأ بالشخص الجالس بجواري و هو يسألني إن كان معي ولاعة، أخبرته و أنا ألتفت إليه " لا و الله مش بدخن "، كان هذا الشخص هو نفسه الشحات الذي أعطيه مصروفي، أخذ مصروفي ليتشري ملابس جيدة " أشيك من اللي كنت لابسه " و يدخل السينما " و يروق على نفسه "، خرجت من هذه التجربة و أنا عندي ثقة أن جميع الشحاتين مهما إختلفت أعمارهم أو أحجامهم أو أسباب تسولهم أو نوع العلة التي يشكون منها ليسوا سوى أغنياء ... أغنياء ... أغنياء... بخلاء ... أذكياء.

تذكرت و أنا أكتب هذا المقال الكثير و الكثيرمن حالات النصب تحت إسم التسول و التي سوف أحتاج ليوم كامل لا أتوقف فيه عن الكتابة حتى أستطيع توضيح كل المواقف التي قابلتني أنا شخصياً أو قابلت أحداً من أصدقائي أو أقاربي، و إن كنت أرى أن كل هذه المواقف و الحكايات تعطي نتيجة واحدة، هي أن هؤلاء " الشحاتين " هم في الحقيقة نوع من أنواع " النصابين " الذين يستطيعون إياهم أو إقناع الناس بما هو غير حقيقي، و أنسب طريقة لإخراج زكاة المال هي إعطائها لجمعيات أو مساجد موثوق فيها، و ليس لأشخاصاً ينفقون ضعف ما تعطيهم لشراء زجاجة مياة غازية 3 لتر.

بقلم م / مصطفى الطبـجي

الجمعة، 1 أكتوبر 2010

من زاوية عكسية

  • في ذات يوم حار عاصف كنت أسير على الرصيف على غير عادة البشر من حولي و إذ بي أرى رجلاً ضخم الجثة يصل طوله المترين عريض المنكبـيـن أصلع الرأس وزنه يتعدى المائتان كيلوجراماً يمسك بطفل لا يتعدى عمره العشرة أعوام ضئيل الحجم رث الثياب و ينهال عليه ضرباً، و على ما يبدو أن يده كانت " كالمرزبة " حيث أن كل ضربة من يده كانت تطيح بهذا الطفل و لولا أنه كان يضرب بإحدى يديه و يمسك الطفل بيده الأخرى لكانت أي ضربة من هذه الضربات المتكررة و السريعة و الخبـيـرة كفيلة بأن ترجع هذا الطفل إلى بطن أمه ..... و في قطار سريع.

العجيب أن هذا الطفل و مع كل هذه الضربات كان يحاول جاهداً أن يرد على هذا الرجل بالمثل، حيث كان يكيل له ضربات سفلية مستمرة بقدميه، كمان كان يحاول عض الرجل عدة مرات و كان ينجح أحياناً مما كان يـثـير غضب الرجل هرقلي الحجم عنتري القوي أكثر و أكثر، و حقيقياً لا أعلم من أين آتى صاحب هذا الوجه الملائكي بكل هذه الطاقة ليتحمل كل هذه الضربات التي أوجعتني أنا شخصياً مع أني مجرد مشاهد عابر سبيل.

بدأ الناس يتجمعون و يتزاحمون كل مهتم بألا تـفوته ضربة من الضربات أو ركلة من الركلات أو عضة من " العضات " و كأنهم يشاهدون مبارة في المصارعة الحرة غير متكافئة الأطراف حيث أن أحدهم قد نسي تناول المنشطات، إكتفى الجميع بالمشاهدة و السؤال عن سبب ضرب هذا الطفل و هنا بدأت تخرج بعض التعليقات و التلميحات " ده راجل مفتري "، " هتلاقيه مخبر و شايف نفسه "، " أكيد الواد حرامي ... شكله كده "، " حد يحوش الولد ده يا جماعة "، أيضاً إكتفى الجميع بالمشاهدة و إن كان البعض قد أبدى بعض ردود الأفعال الإيجابية، فلقد وجدت البعض " يمصمص شفايفه ".

  • · في ذات يوم حار عاصف حاول طفل في العاشرة من عمره ضئيل الحجم رث الثياب الهروب من حرارة الشمس المحرقة و ذلك بأن إحتمى بظل إحدى السيارات، سبب إختيار الطفل لهذه السيارة بالذات أنها كانت واقفة في هذا المكان منذ فترة طويلة و هذا قد يعني أن صاحبها سوف يتأخر، كما أن السيارة و التي يبدو من كبر حجمها و فخامتها أنها غالية الثمن كان نصفها تقريباً فوق الرصيف، هذه الميزة التي جعلت من السيارة مكاناً مناسباً للهروب من أشعة الشمس في ظل عدم وجود أي مظلات تقي المارة من هذا الجو الغريب، سند الطفل بـيـده المتـسخة على السيارة و كان يبدو عليه الإرهاق، تلفته يميناً و يساراً يؤكد أنه يبحث عن شيئاً ما أو شخصاً ما، و مظهر ثيابه الرثة يوحي بأنه يبحث عن طعام، أو من يساعده في شراء الطعام.

فوجئ الطفل برجل ضخم الجثة طوله يصل المترين عريض المنكبـيـن أصلع الرأس وزنه يتعدى المائتان كيلوجراماً يمسك به من ملابسه، كانت هناك نظرات مختلفة في عين كل منهما، نظرات الرجل كانت تحمل كل معاني الغضب و الكراهية، و نظرات الطفل كانت تحمل كل معاني الدهشة و الخوف، قبل أن يبدأ الرجل بالكلام أمسك بالطفل لمنعه من الهرب ثم إنهال عليه ضرباً، لم يكن هناك مبرر واضح لكي يضرب هذا الطفل سوى أن هذا الرجل هو شخص مفتري ليس لديه رحمة بالضعفاء، أثناء ضرب الرجل للطفل كانت تخرج منه بعض العبارات الغاضبة " أنا هابقى هاطلع عينك يا إبن ال..... " ، " محدش هيرحمك مني النهاردة " ، " ده منظر ... كده بوظت العربية " قالها و هو يشير إلى أثار يد الطفل الواضحة على السيارة.

  • · في ذات يوم حار عاصف قام رجل ضخم الجثة عريض المنكبـين أصلع الرأس بركن سيارته الواضح أنها غالية الثمن على الرصيف، كان واضحاً أنه لا يبالي بأنه بهذه الطريقة سيمنع المارة من المرور من هذه المنطقة، أو أنه لاحظ أن الجميع لا يستخدم الرصيف بعد أن أصبح مكاناً " لباترينات " المحلات أو كراسي لأصحاب المحلات أو إمتداد طبيعي للقهاوي و الكافتريات، أحكم الرجل غلق السيارة و إتجه مسرعاً إلى مكان لا يعلمه إلا الله .... و هو.

بعد فترة طويلة إقترب طفل يبدو أنه في العاشرة من عمره ضئيل الحجم رث الثياب من السيارة، تلفت حوله يميناً و يساراً ليتأكد من أن أحداً لا يراه، تظاهر بأنه يستند على السيارة للهروب من أشعة الشمس و تخفيف الإعياء الذي يشعر به إلا أنه في الحقيقة كانت يده تخفي مشرط حاد يقوم بخلع علامات السيارة من مكانها ليـبـيـعها في الأغلب لأحد سائقي التوك توك بخمسة جنيهات أو عشرة.

رآه صاحب السيارة من بعيد فآتى إليه مسرعاً حتى لا يهرب، أمسكه من ملابسه و إنهال عليه ضرباً، نظرات الطفل كانت تحمل كل معاني الدهشة لأنه لا يعلم كيف رآه و كل معاني الخوف لأنه يعلم المصير الذي ينتظره، نظرات الرجل كانت تحمل كل معاني الغضب لأن الطفل أتلف السيارة و كل معاني الكراهية لأنها المرة الخامسة التي يشتري فيها علامات جديدة " بالشئ الفلاني " للسيارة.

أشار الرجل إلى مكان العلامة التالف و قال للطفل " ده منظر ... كده بوظت العربية ".

بقلم م / مصطفى الطبـجي