الجمعة، 1 أكتوبر 2010

من زاوية عكسية

  • في ذات يوم حار عاصف كنت أسير على الرصيف على غير عادة البشر من حولي و إذ بي أرى رجلاً ضخم الجثة يصل طوله المترين عريض المنكبـيـن أصلع الرأس وزنه يتعدى المائتان كيلوجراماً يمسك بطفل لا يتعدى عمره العشرة أعوام ضئيل الحجم رث الثياب و ينهال عليه ضرباً، و على ما يبدو أن يده كانت " كالمرزبة " حيث أن كل ضربة من يده كانت تطيح بهذا الطفل و لولا أنه كان يضرب بإحدى يديه و يمسك الطفل بيده الأخرى لكانت أي ضربة من هذه الضربات المتكررة و السريعة و الخبـيـرة كفيلة بأن ترجع هذا الطفل إلى بطن أمه ..... و في قطار سريع.

العجيب أن هذا الطفل و مع كل هذه الضربات كان يحاول جاهداً أن يرد على هذا الرجل بالمثل، حيث كان يكيل له ضربات سفلية مستمرة بقدميه، كمان كان يحاول عض الرجل عدة مرات و كان ينجح أحياناً مما كان يـثـير غضب الرجل هرقلي الحجم عنتري القوي أكثر و أكثر، و حقيقياً لا أعلم من أين آتى صاحب هذا الوجه الملائكي بكل هذه الطاقة ليتحمل كل هذه الضربات التي أوجعتني أنا شخصياً مع أني مجرد مشاهد عابر سبيل.

بدأ الناس يتجمعون و يتزاحمون كل مهتم بألا تـفوته ضربة من الضربات أو ركلة من الركلات أو عضة من " العضات " و كأنهم يشاهدون مبارة في المصارعة الحرة غير متكافئة الأطراف حيث أن أحدهم قد نسي تناول المنشطات، إكتفى الجميع بالمشاهدة و السؤال عن سبب ضرب هذا الطفل و هنا بدأت تخرج بعض التعليقات و التلميحات " ده راجل مفتري "، " هتلاقيه مخبر و شايف نفسه "، " أكيد الواد حرامي ... شكله كده "، " حد يحوش الولد ده يا جماعة "، أيضاً إكتفى الجميع بالمشاهدة و إن كان البعض قد أبدى بعض ردود الأفعال الإيجابية، فلقد وجدت البعض " يمصمص شفايفه ".

  • · في ذات يوم حار عاصف حاول طفل في العاشرة من عمره ضئيل الحجم رث الثياب الهروب من حرارة الشمس المحرقة و ذلك بأن إحتمى بظل إحدى السيارات، سبب إختيار الطفل لهذه السيارة بالذات أنها كانت واقفة في هذا المكان منذ فترة طويلة و هذا قد يعني أن صاحبها سوف يتأخر، كما أن السيارة و التي يبدو من كبر حجمها و فخامتها أنها غالية الثمن كان نصفها تقريباً فوق الرصيف، هذه الميزة التي جعلت من السيارة مكاناً مناسباً للهروب من أشعة الشمس في ظل عدم وجود أي مظلات تقي المارة من هذا الجو الغريب، سند الطفل بـيـده المتـسخة على السيارة و كان يبدو عليه الإرهاق، تلفته يميناً و يساراً يؤكد أنه يبحث عن شيئاً ما أو شخصاً ما، و مظهر ثيابه الرثة يوحي بأنه يبحث عن طعام، أو من يساعده في شراء الطعام.

فوجئ الطفل برجل ضخم الجثة طوله يصل المترين عريض المنكبـيـن أصلع الرأس وزنه يتعدى المائتان كيلوجراماً يمسك به من ملابسه، كانت هناك نظرات مختلفة في عين كل منهما، نظرات الرجل كانت تحمل كل معاني الغضب و الكراهية، و نظرات الطفل كانت تحمل كل معاني الدهشة و الخوف، قبل أن يبدأ الرجل بالكلام أمسك بالطفل لمنعه من الهرب ثم إنهال عليه ضرباً، لم يكن هناك مبرر واضح لكي يضرب هذا الطفل سوى أن هذا الرجل هو شخص مفتري ليس لديه رحمة بالضعفاء، أثناء ضرب الرجل للطفل كانت تخرج منه بعض العبارات الغاضبة " أنا هابقى هاطلع عينك يا إبن ال..... " ، " محدش هيرحمك مني النهاردة " ، " ده منظر ... كده بوظت العربية " قالها و هو يشير إلى أثار يد الطفل الواضحة على السيارة.

  • · في ذات يوم حار عاصف قام رجل ضخم الجثة عريض المنكبـين أصلع الرأس بركن سيارته الواضح أنها غالية الثمن على الرصيف، كان واضحاً أنه لا يبالي بأنه بهذه الطريقة سيمنع المارة من المرور من هذه المنطقة، أو أنه لاحظ أن الجميع لا يستخدم الرصيف بعد أن أصبح مكاناً " لباترينات " المحلات أو كراسي لأصحاب المحلات أو إمتداد طبيعي للقهاوي و الكافتريات، أحكم الرجل غلق السيارة و إتجه مسرعاً إلى مكان لا يعلمه إلا الله .... و هو.

بعد فترة طويلة إقترب طفل يبدو أنه في العاشرة من عمره ضئيل الحجم رث الثياب من السيارة، تلفت حوله يميناً و يساراً ليتأكد من أن أحداً لا يراه، تظاهر بأنه يستند على السيارة للهروب من أشعة الشمس و تخفيف الإعياء الذي يشعر به إلا أنه في الحقيقة كانت يده تخفي مشرط حاد يقوم بخلع علامات السيارة من مكانها ليـبـيـعها في الأغلب لأحد سائقي التوك توك بخمسة جنيهات أو عشرة.

رآه صاحب السيارة من بعيد فآتى إليه مسرعاً حتى لا يهرب، أمسكه من ملابسه و إنهال عليه ضرباً، نظرات الطفل كانت تحمل كل معاني الدهشة لأنه لا يعلم كيف رآه و كل معاني الخوف لأنه يعلم المصير الذي ينتظره، نظرات الرجل كانت تحمل كل معاني الغضب لأن الطفل أتلف السيارة و كل معاني الكراهية لأنها المرة الخامسة التي يشتري فيها علامات جديدة " بالشئ الفلاني " للسيارة.

أشار الرجل إلى مكان العلامة التالف و قال للطفل " ده منظر ... كده بوظت العربية ".

بقلم م / مصطفى الطبـجي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق