السبت، 19 مارس 2011

عم شحتة ... و قصة أخرى


القصة الأولى
لا يعلم أي منكم عم شحتة، ذلك الرجل الذي يسكن بالمنزل المجاور لمنزلي، بلغ من العمر تسعون عاماً على ما أعتقد، بحكم السن قلت حركته، لم يكن يذهب لأي مكان سوى المسجد، مع أن المسافة بين منزله و بين المسجد لا تتجاوز الـ 100 متر، إلا أنه كان يقطعها في ربع ساعة، متسنداً على عجاز في يده اليمنى، و ولده الذي يمسك بذراعه اليسرى.

اليوم رأيته متسنداً كالعادة خارجاُ من منزله في غير موعد الصلاة، إعتقدت أنه بالتأكيد ذاهب لأحد الأطباء، بحكم الجيرة كان كثيراً ما يحكي لي هو او ولده ما أصابه من مرض، و كنا جميعاً دائماً ما ندعو له بالشفاء، هو رجل محبوب في المنطقة.

بعد حوالي نصف ساعة رأيته عائداً من حيث كان، عندما إقترب رأيت السعادة على وجهه، سعادة أخفت بكل سهولة كل مظاهر الألم و كل تجعدات السن، سعادة بالغة في عينه و هو ينظر بزهو إلى إبهامه و عليه آثار الحبر الفسفوري.

القصة الثانية
قابلتها في اللجنة، إمرأة عجوز، من هؤلاء النسوة اللاتي قل وجودهن في هذا الزمان، عنوانها هو البساطة، إسمها هو الطيبة، طريقة كلامها تذكر بخير زمان و حلاوة زمان، قبل أن يطلب منها القاضي بطاقتها الشخصية أو رقمها القومي كما يقولون بادرته مسرعة :- أنا مش بعرف أقرا و لا اكتب يا ابني

القاضي :- خلاص يا حاجة ابصمي

الحاجة :- طيب اختار نعم و لا لأ

القاضي :- أنا مقدرش أقولك يا حاجة تختاري إيه، انت عاوزة إيه؟؟؟

الحاجة :- أنا عاوزة مصلحة البلد يا ابني، بس أنا معرفش حاجة في التعديلات دي

قال لها أحد الحاضرين ساخراً :- أمال إنت جاية ليه يا حاجة؟؟

نظرت له بنظرة عتاب حنون و قالت :- جاية علشان عاوزة الخير ليا و ليك

بعدها قررت أن تختار (نعم) و بصمت بإصبعها بجوار إسمها و إبتسامة سعادة تملأ وجهها.


بقلم م / مصطفى الطبجي

الجمعة، 18 مارس 2011

صاحبة عربة الآيس كريم


الشمس تشرق في هدوء رائع، كعادتها ترسل أشعتها الدافئة في خجل كأنها تخبر الجميع أنها قد أتت في موعدها، كالعادة بدون تأخير، كالعادة بمنتهى الرقة، كما تركت الجميع بالأمس وجدتهم اليوم، الرمال  تتطاير بنعومة، أطراف أنامل مياة البحر مازالت تتلاعب ببعض حبات الرمال في جو يكسوه الود، الطيور محلقة عالياً، بعض رواد الشاطئ بدأوا يقبلون فرحين.

لم تكن شمس السماء أقصد، بل شمس أخرى، شمس تعيش بيننا، شمس تجدد الصبا في جسدك كلما إلتقت عيناك بعينيها، تلك الفتاة صاحبة عربة الآيس كريم كانت الشمس التي أقصدها، كانت الشمس التي يقبل عليها رواد الشاطئ فرحين بقدومها أخيراً فقط ليشتروا منها الآيس كريم.

لم تغير مكانها أبداً، وكيف تغيره و قد أصبح ملكاً لها، لم تشتريه و ليس معها عقد ملكية، هذه أمور شكلية، هي لا تعلم سوى أنها موجودة هنا، حتى المصطفين  الذين يحضرون عاماً بعد عام أصبحوا يعرفون هذا المكان بها، بصاحبة عربة الآيس كريم.

اليوم لاحظت تطوراً غريباً، غرباء بدأوا ينتشرون في المكان، الدخل الوفير الذي كانت تجنيه أصبح مطمعاً لأصحاب العقول المريضة و النفوس الكريهة و القلوب الخبيثة، رويداً وريداً بدأوا يحيطون بها بعرباتهم، حاولوا و نجحوا بالفعل في إخفاءها عن أعين الجميع.

إختارت هذا المكان لبعده عن باقي بائعي الآيس كريم الذين أصبحوا منتشرين بعرباتهم على طول شاطئ البحر، إختارته لأنها لم تكن تريد الإحتكاك بهم، السبب الذي أعلنته لبعض زبائنها أن هؤلاء البائعيين يمكنهم بكل سهولة طردها من الشاطئ، هي شابة ضعيفة مكسورة الجناح كما يقولون، الحيوية التي بداخلها لن تسعفها أبداً في حالات المواجهة، ذلك بعد أن تخلى عنها من كانوا يعدونها بالحماية.

السبب الذي لم تعلنه لأحد و نجحت في إخفاءه جيداً داخل عباءتها السوداء الفضفاضة أنها لكي تنجح في جذب المصطفين إليها لابد من أن ترفع صوتها بالنداء، هي تخجل من هذا كما أنها لا تقوى على منافسة أصحاب الصوت الجهوري هؤلاء، فأصواتهم عالية مدوية و كأنهم ولدوا بها، لذلك كان هذا المكان البعيد الخالي هو أنسب إختيار.

بشاشة وجهها و جمالها الهادئ و طريقة كلامها الناعمة جعلت الكثير من المصطفين يصرون على الذهاب إليها، الذهاب إليها كان كأنه نزهة خفيفة لهم، فما أحلى السير على الرمال حافي القدمين تداعبك من الأسفل رمال مبللة و بين الحين و الآخر تصطدم بك المياة في حنان، و كأن الكل تغير ليتناسب مع رقة من تقف بالمكان.

إقبال و محبة لصاحبة العربة سببا لها الكثير من الفرحة، كما سبب الكثير من الحقد و الغل لأعداءها، المثل القديم يقول "عدوك إبن كارك"، بدأوا يفرضون عليها الإتاوات، بدأوا يشاركونها غصباً في أرباح عربتها بعد ان أخذوا منها مكانها الأصلي، إستنجدت بالجميع، و تجاهلها الكل، حتى المسؤل عن الشاطئ تصرف و كأن شيئاً لم يحدث، كل ما حصلت عليه هو تعاطف بعض المصطفين، و ليس جميعهم.

ضاع منها مكانها، ثم ضاعت عربتها، و مع الوقت بدأ الجميع ينسى إسمها، ثم ينسى شكلها، بدأوا يعلمون المكان بأسماء أخرى، أسماء غريبة لا نعلم أي عقل صهيوني إبتكرها.



بقلم م / مصطفى الطبجي

الخميس، 17 مارس 2011

اليوم فقط


تصرفاته فضحته، حتى الشخص الذي حرم من حاسة البصر كان يمكنه أن يرى بوضوح كيف تغيرت طريقتة في الكلام، طريقته في وصف أي موقف أي كان، طريقته في القفز من مكانه فور سماعه صوت أحد رنات هاتفه المحمول الذي إشتراه حديثاً فجأة بعد أن كان معترضاً على حمل جهاز كهذا، حتى طريقته في إرتداء ملابسه، إختلفت تماماً.

هشام، ذلك الشخص الذي إنضم حديثاً إلى فريق العمل بالشركة، لم نعلم عنه الكثير لأنه كان لا يتلفظ بالكثير، لم يندمج معنا كما إندمجنا مع أنفسنا، كلامه هذا إن تحدث كان عن العمل، لا أكثر و لا أقل، بعضنا لوقت قريب كان لا يعلم أين يسكن بالتحديد هذا الهشام.

كثيراً حاولنا أن نضمه لقائمة الأصدقاء، أن يرافقنا في الرحلات و السهرات، دائماً ما كان يرفض، في أول الأمر إعتقدناه غير ميسور الحال لا يقوى على هذه مصاريف، ثم توهمناه خجولاً لا توجد لديه جرأة التعرف على أشخاص دخلوا حياته فجأة بدون إستئذان، ثم رأيناه مغروراً لا يرضى أن يصاحب من هم أقل منه منزلة... من وجهة نظره طبعاً.

حاولنا تجاهله أكثر من مرة، لكن وجوده معنا كان يدفعنا للمحاولة مرة بعد أخرى، و بعد كل محاولة فاشلة كان لابد من جلسة سخرية و نميمة، بالنسبة لنا كان مادة خصبة للفكاهة، طريقة كلامه، طريقة ملبسه، المحمول الذي يرفض حمله، عدم إحتكاكه بأي شخص، ملاحظة عدم وجود أي أصدقاء له، رأيناه شخصاً غريباً... يستحق السخرية.

الكل بدأ يلاحظ التغيير الذي بدأ في الظهور على هشام يوماً بعد يوم، في أول الأمر بدأ يتقرب لنا، ثم بدأ في خلق مواضيع للنقاش، بدأ يتحاور و يتجادل معنا، بدأ يسأل ليعرف إجابات عن أمور بدت لنا بديهية و من أساسيات الحياة.

رغم أنه مازال متحفظاً إلى حد ما إلى أن التغيير كان ملحوظ، في أحد النقاشات رن هاتفه المحمول الذي إشتراه مؤخراً، أخرجه من جيبه في لهفة و إنطلق بعيداً في أحد أركان المكتب، تكلم بصوت منخفض واضعاً يده على فمه، نظرنا إلى بعضنا البعض، هشام أخيراً ظهرت عليه أعراض آدامية، أعراض نسميها نحن معشر البشر بالعلاقة العاطفية.

تحول الغمز و اللمز بيننا من السخرية من هشام إلى الحديث عن هشام، مازال هو محور و محرك الأحداث، تسألنا من هذه التي يكلمها بكل هذه الأهمية و التوتر و الإشتياق، كيف و أين تعرف عليها، و الأهم من هذا متى؟؟؟

بالأمس كانت أجازة رسمية، اليوم ذهبنا إلى المكتب، اليوم لم يكن مثل باقي الأيام، اليوم كان الوجوم يسيطر على الجميع، بالأمس شاهدنا جميعاً ماحدث، شاهدنا كيف كان يقف في الصفوف الأمامية، كيف كان يصرخ بأعلى صوت، كيف كان يشد من أزر الجميع، كيف كان يتحمل ضربات العساكر، كيف كان يقاوم، كيف كان يعبر عن رأيه بكل سليمة، و كيف أستشهد.

اليوم فقط عرفنا أن كلامه كان قليلاً لأن هذا طبع الزعماء، اليوم فقط عرفنا أنه كان لا يستسلم لإغراءات السهرات لأن وراءه قضية أكبر، اليوم فقط عرفنا أنه لم يكن مغروراً أو خجولاً أو تافهاً، اليوم فقط عرفنا أن كلامه معنا لم يكن إلا شحناً لأفكارنا، اليوم فقط عرفنا أنه أفضل منا بمراحل.



بقلم / واحد من اللي كانوا فاكرين نفسهم حاجة

الأربعاء، 16 مارس 2011

خالتي أم أشرف.... تاني


فاكرين خالتي أم أشرف؟؟؟ لو كنتم حضراتكم فاكرينها يبقى الحمد لله ممكن أدخل في الموضوع على طول، أما لو مش فاكرينها أو مش عارفينها فلازم تعرفوا إنها تعتبر من برج من أبراج الجزيرة، يعني ممكن نقول عليها البرج الرابع، ليه ... إرجعوا و دعبسوا على مقالتين سابقتين الأولى بعنوان "إتفاقية نشر الغسيل" والثانية بعنوان "مراحل الثورة الثلاثة" ... راجعوها.

خالتي أم أشرف قررت تنزل يوم السبت بعد ما تخلص طبيخ علشان تقول رأيها، أنا معرفش رأيها إيه!! بس هي ديما كانت بتقول نعم للمشاركة في عملية الإستـفتـاء.

مع إن كل إهتمامات خالتي أم أشرف كانت بتنحصر في أنه مسحوق غسيل أفضل و أوفر، و يا ترى شهقت على الملوخية و لا نسيت زي العادة، لكني فجأة لقيتها بتتكلم عن الدستور و التعديل و الإستفتاء و الإنتخابات و طبعاً لم تنسى الفجل و الكرّات.

اللي كان تاعب خالتي أم أشرف مكنش إنها تختار (نعم) أو (لا)، هي كانت حاسمة رأيها من زمان، لكن ما كان يقلقها هي تلك الأبواق التي مع مرور الوقت يرتفع صوتها درجة بعد درجة من مبدأ خدوهم بالصوت لا يفرتكوكوا.

من حق أي شخص أو جماعة أو مجموعة أو حزب أن يتكون لديه الرأي الخاص به، و من حقه إقناع المحيطين به، لأنه مدرك أو مقتنع أنه على صواب، لكن أي كانت أساليب الإقناع فهي لا يجب أن تحتوي على إرهاب أو تخوييف أو تكفير أو ضغط أو تهديد، إقنع بس بشويش، فـهّـم بس براحة.

البعض مازال لا يفهم أصول الديمقراطية، ربما لأنه مصطلح جديد علينا جميعاً، فلقد عشنا طيلة ثلاثون عاماً في مهزلة سياسية إسمها "موافقون... موافقة"،  ما لا يعرفه البعض أن ألف باء ديمقراطية أن الحديث يتوقف عن الإستفتاء قبل 24 ساعة من موعده، الحديث عنه يتوقف و إلى الأبد.

من حقك أن تكون رافضاً للتعديلات، أو أن تكون مقبلاً عليها بصدر رحب، لكن ليس من حقك أن تحجر على أراء الغير، يوم السبت سوف ينتهي النقاش، و إذا كنت قد فشلت في إقناع عامة الشعب بإختيارك، فإنسحابك بعد ظهور نتيجة الإستفتاء ليس تقليلاً من حجمك، بل ستزداد إحتراماً عند الأغلبية لأنك فهمت أن دورك قد إنتهى هنا، و إلى اللقاء في جولة أخرى.
أيضاً لا يجوز أن تغير رأيك فوراً لتصبح مع رأي الرابحيين، فهذه ليست بالديمقراطية، لكنها طبق سلطة حمضان، مبدأك و رأيك لا يتغيران أبداً إلا و إن جدت ظروف جعلتك تغير من رأيك 360 درجة، لكن ليس من مبادئك، و إلا أصبحت منافقاً و بتلعب على كل حبل و لا أجدع أراجوز.

سابقاً عندما كان المجلس الموقر المزور المشمر يناقش قانوناً ما، كان من حقك أن تعترض و أن تظل معترضاً رغم تنفيذ القانون، ذلك أن الجميع يعلم لمن يتبع هذا المجلس، و لمن يدين بالولاء، و لمن يقولون موافقون و النعمة موافقون، لكن الآن بعد ظهور نتيجة الإستفتاء جنابك ستكون معترضاً على إرادة الشعب، أي أنك أنت الآن الذي تحولت إلى ديكتاتور......

إلى هنا إنتهى كلام خالتي أم أشرف، إنتهى لأن ريحة الشياط بانت و إفتكرت الرز اللي على النار، إنتهى لأنها عارفة إن أبو أشرف لما يرجع من الشغل هيكسرلها ضلع، ويقولها "و يا تري لما أكل التعديلات دي هاشبع يا ولية... فين الأكل".


بقلم م / مصطفى الطبجي

من حكمدار القاهرة


عجبت لك يا "تايم"، على فكرة "تايم" تعني "زمن" باللغة الإنجليزية الفصحى، عجبت لك يا "تايم"، فالأحداث المتشابهة في الدول العربية يصاحبها تصريحات متشابهة من قبل الأنظمة الحاكمة!!! ألا يتعلمون من أخطاء الغير.

لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، حكمة حفظناها من أيام كي جي 1، و هذه الحكمة فهمنا معناها وقتها أن الجحور يمكن أن تتحرك من مكانها لتلدغ الباشا اللي مش بيسمع الكلام و مش بيتعلم من أخطاءه أو أخطاء غيره، أما الآن فمعناها كما يبدو أن رؤساء الدول لم يشاهدوا الفيلم المصري الذي كان تتكرر به الجملة الشهيرة "الجحر فيه سم قاتل أكرر الجحر فيه سم قاتل... الجحر فيه سم قاتل".

الأمر لا يقتصر على الدول أو الحكام، ما أسخم من ستي إلا سيدي، كثير ممن كانوا يديرون بعض الهيئات الكبيرة إسماً و حجماً و طولاً و عرضاً يرددون و يؤكدون و "يصمصمون" أن رأسهم خالي من البطحات، و أن أي كلام أو تلميحات لا تمسهم من قريب أو من بعيد، و أنهم باقيين في مراكزهم، تكون النتيجة أنهم إما أن يقالوا أو يستقيلوا في اليوم التالي مباشرة.

هي مهارة عدم التعلم من أخطاء الآخرين، مهارة لا تأتي من فراغ، و لا تكتسب من فراغ، و لكن تضيع صاحبها في الفراغ، و الفرق (الفراغ) العقلي و (الفراخ) ليس كثير، فكلاهما لا يستطيع التحليق علياً، و كلامهما يمكن أن يسقط بسهولة إذا حاول لتنكسر جدور رقبته.


بقلم م / مصطفى الطبجي