الخميس، 17 مارس 2011

اليوم فقط


تصرفاته فضحته، حتى الشخص الذي حرم من حاسة البصر كان يمكنه أن يرى بوضوح كيف تغيرت طريقتة في الكلام، طريقته في وصف أي موقف أي كان، طريقته في القفز من مكانه فور سماعه صوت أحد رنات هاتفه المحمول الذي إشتراه حديثاً فجأة بعد أن كان معترضاً على حمل جهاز كهذا، حتى طريقته في إرتداء ملابسه، إختلفت تماماً.

هشام، ذلك الشخص الذي إنضم حديثاً إلى فريق العمل بالشركة، لم نعلم عنه الكثير لأنه كان لا يتلفظ بالكثير، لم يندمج معنا كما إندمجنا مع أنفسنا، كلامه هذا إن تحدث كان عن العمل، لا أكثر و لا أقل، بعضنا لوقت قريب كان لا يعلم أين يسكن بالتحديد هذا الهشام.

كثيراً حاولنا أن نضمه لقائمة الأصدقاء، أن يرافقنا في الرحلات و السهرات، دائماً ما كان يرفض، في أول الأمر إعتقدناه غير ميسور الحال لا يقوى على هذه مصاريف، ثم توهمناه خجولاً لا توجد لديه جرأة التعرف على أشخاص دخلوا حياته فجأة بدون إستئذان، ثم رأيناه مغروراً لا يرضى أن يصاحب من هم أقل منه منزلة... من وجهة نظره طبعاً.

حاولنا تجاهله أكثر من مرة، لكن وجوده معنا كان يدفعنا للمحاولة مرة بعد أخرى، و بعد كل محاولة فاشلة كان لابد من جلسة سخرية و نميمة، بالنسبة لنا كان مادة خصبة للفكاهة، طريقة كلامه، طريقة ملبسه، المحمول الذي يرفض حمله، عدم إحتكاكه بأي شخص، ملاحظة عدم وجود أي أصدقاء له، رأيناه شخصاً غريباً... يستحق السخرية.

الكل بدأ يلاحظ التغيير الذي بدأ في الظهور على هشام يوماً بعد يوم، في أول الأمر بدأ يتقرب لنا، ثم بدأ في خلق مواضيع للنقاش، بدأ يتحاور و يتجادل معنا، بدأ يسأل ليعرف إجابات عن أمور بدت لنا بديهية و من أساسيات الحياة.

رغم أنه مازال متحفظاً إلى حد ما إلى أن التغيير كان ملحوظ، في أحد النقاشات رن هاتفه المحمول الذي إشتراه مؤخراً، أخرجه من جيبه في لهفة و إنطلق بعيداً في أحد أركان المكتب، تكلم بصوت منخفض واضعاً يده على فمه، نظرنا إلى بعضنا البعض، هشام أخيراً ظهرت عليه أعراض آدامية، أعراض نسميها نحن معشر البشر بالعلاقة العاطفية.

تحول الغمز و اللمز بيننا من السخرية من هشام إلى الحديث عن هشام، مازال هو محور و محرك الأحداث، تسألنا من هذه التي يكلمها بكل هذه الأهمية و التوتر و الإشتياق، كيف و أين تعرف عليها، و الأهم من هذا متى؟؟؟

بالأمس كانت أجازة رسمية، اليوم ذهبنا إلى المكتب، اليوم لم يكن مثل باقي الأيام، اليوم كان الوجوم يسيطر على الجميع، بالأمس شاهدنا جميعاً ماحدث، شاهدنا كيف كان يقف في الصفوف الأمامية، كيف كان يصرخ بأعلى صوت، كيف كان يشد من أزر الجميع، كيف كان يتحمل ضربات العساكر، كيف كان يقاوم، كيف كان يعبر عن رأيه بكل سليمة، و كيف أستشهد.

اليوم فقط عرفنا أن كلامه كان قليلاً لأن هذا طبع الزعماء، اليوم فقط عرفنا أنه كان لا يستسلم لإغراءات السهرات لأن وراءه قضية أكبر، اليوم فقط عرفنا أنه لم يكن مغروراً أو خجولاً أو تافهاً، اليوم فقط عرفنا أن كلامه معنا لم يكن إلا شحناً لأفكارنا، اليوم فقط عرفنا أنه أفضل منا بمراحل.



بقلم / واحد من اللي كانوا فاكرين نفسهم حاجة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق