الأحد، 6 نوفمبر 2011

حد... حد... حد


حكت لي والدتي عن أمها التي كانت تهوى تربية الدجاج في حديقة منزل جدي، كأي إمرأة مصرية وقتها كان أساسياً تربية بعض الطيور فوق الأسطح أو حتى في الشارع، وطبعاً وقتها لا كان في أنفلونزا طيور ولا خنازير ولا مساجين، الحياة كانت حلوة وبسيطة، وكان أسوء ما يزعج جدتي هي تلك الحـدّاية التي كانت تحلق في السماء في إنتظار خلو الجو حتى تنقض على أحد الكتاكيت.

الآن إختفت الحـدّاية من السماء، والكتاكيت من فوق الأسطح، والحدائق من المنازل، وتوفيت جدتي وبقيت حكاويها، وأغرب حكاية كانت لحظة إنقضاض الحـدّاية حيث كانت جدتي تصرخ بصوت عالي "حِـد... حِـد... حِـد"، فتنبطح فوراً كل صغار الدجاج على الأرض، وكأنها عندما تلصق جسدها الصغير بالأرض تحمي نفسها من ذلك الهجوم الغادر، الطريف في الأمر أن جدتي كانت تداعب أبنائها من الطيور أحياناً، فكانت تصرخ "حِـد... حِـد... حِـد" مع عدم وجود حـدّايات ولا غربان، لكن الكتاكيت فهمت الكلام وإنبطحت على الفور ثقة منها في أن جدتي تحميها... أو تلعب معها، وكلاهما على قلب الكتاكيت زي العسل.

جمعة بعد جمعة يقل عدد المصلين في ذلك المسجد المجاور لي، الكل أجمع على أن الخطيب يفتقر إلى الثراء الديني وفن الخطابة، كثيرون من أهل المنطقة نـُبـح صوتهم وهم يقولون له "حِـد... حِـد... حِـد"، إلا أنه مازال متمسك بطريقته المنفرة ومعلوماته الخاطئة ونصائحه الناقصة، مستهيناً بهجوم غادر قد يحل به ويخلعه من مكانه.

هذا ما يقع فيه للأسف بعض المنتسبين للدعوة سواء كانوا في خطبة جمعة أو في ندوة تابعة لحزب أو مقر دعاية إنتخابية أو مناظرة مع فكر تحرري، فلا يكفي أبداً أن تكون مطلقاً للـلحية حتى تأمر وتنهي وتتكلم بإسم الدين، لا يكفي أبداً أن تمضخ السواك بين أسنانك حتى يتبعك الناس وينتخبوك بإسم الدين، لا يكفي أبداً أن تقصر من جلبابك حتى تؤكد أن كل من يخالفك في الرأي هو وأتباعه في النار، لا يكفي أبداً أن تدّعي أنك من نسل الرسول حتى تؤكد أن نظام الدولة المدنية سيخرب البلد، نـُبح صوتنا ونحن نقول لكم "حِـد... حِـد... حِـد"... في النهاية ... إستقيموا يرحمنا ويرحمكم الله.

م / مصطفى الطبجي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق