الأحد، 15 مايو 2011

ركاب عربة المترو

لا أدري هل هو القدر أم النصيب أم التوقيت المتأخر الذي جعل عربة المترو غير ممتلئة، الكل يجلس على كرسيه، و الواقفون لم يتجاوز عددهم الثلاثة، لأول مرة منذ زمن بعيد أجد أن الصمت هو اللغة الرسمية الوحيدة في هذا المكان.

فور غلق العربة لأبوابها وقفت هي، سيدة يتضح من صوتها أنها إقتربت من خريفها الخامس، لم أكن أستطيع تحديد عمرها الحقيقي من وجهها، ليس لأنها كانت تعطيني ظهرها في هذه اللحظة، بل لأنها تغطي وجهها، هي منتقبة، حركتها البطيئة تنم عن إرهاق شديد، و ملابسها تدل على حالة إقتصادية متردية.

حول عنقها كانت تعلق حقيبة غريبة الشكل، إعتقدت من الوهلة الأولى أنها علقتها بهذه الطريقة لأنها تعبت من حملها طوال اليوم، لكني علمت السبب بعد ذلك "بفنتو" ثانية، لقد كانت تدخل يديها الإثنتين إلى الحقيبة لتخرج كل يد حاملة ورقة مطبوع بها بعض أدعية الصباح و المساء توزعها على ركاب عربة المترو.

رغم ثقل حركتها إلا أنني أشعر أنها توزع بسرعة، سرعة مطلوبة حتى تتمكن من جمع ما وزعت قبل أن نقف في المحطة التالية، وصلت إليّ، لم تقل حتى ما هو ثمنها، لم تقل شيئاً إطلاقاً، فقط مدّت يدها و إنصرفت.

أمسكت الورقة بيدي، نظرت لها طويلاً، تابعت المرأة و هي تكمل عملية التوزيع، من يرفض أخذ الورقة منها تتركه مسرعة و تنتقل إلى الشخص المجاور له، سألت نفسي مجدداً، هل السر في عدم الكلام هو إرهاقها طوال اليوم، أم عدم الرغبة في الحديث، أم إدراكها لضيق الوقت، أم أن نظرات عينيها أبلغ من أي كلام يمكن أن يقال.

البعض أرجع لها الورقة و معها بعض النقود، رغم محاولة إخفاء النقود إلا أنني ميزتها بسهولة، البعض الآخر أرجع الورقة فقط، آخرون إشتروها و دفعوا ثمنها، هنا تنبهت لحقيقة عجيبة جداً، في أثناء توزيع السيدة لما معها لم تكن تفرق بين أحد، بين مسلم و مسيحي، الكل عندها سواسية، الكل عندها مصريون، الكل عندها ركاب عربة مترو.

م / مصطفى الطبجي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق