الجمعة، 29 أكتوبر 2010

نظرات غريبة المعالم


نظر لي ذلك الموظف نظرة طويلة خالية من أي مشاعر، لا أتذكر أين رأيتها من قبل، أنا فقط متأكد من أني رأيتها، أيضاً لم ينطق بحرف واحد يشفي غليلي، لم أكن أعلم ما الذي ينظر إليه بالتحديد بتلك النظرة عديمة الإحساس، هل السبب هي نظارة الشمس التي كنت أرتديها و أنا أتحدث معه؟ هل شعر أن في ذلك إستعلاء عليه؟ هل السبب هو شعري اللامع المصفف جيداً؟ هل السبب هو ذلك القميص الذي كلفني الكثير؟ أم الساعة التي تلمع مع ضوء الباقي من لمبات الإنارة الغير محترقة؟ حقيقة لا أعلم و لا أعتقد أنه من مكانه هذا يمكنه أن يرى حزامي و حذائي و بنطالي، إستمر على نفس تلك النظرة ثم تكلم أخيراً " إنت عاوز إيه بقى؟ "، أخبرته أني أريد تغيـير العنوان القديم إلى ذلك العنوان الجديد المكتوب في الإستمارة، نظر إلى الإستمارة ثم نظر إلى مرة أخرى بنفس تلك النظرة الغير واضحة المعالم و كأنه ولد بها و قال لي " إجري إلعب بعيد يا شاطر "
أبحث عن سلسلة المفاتيح لا أدري أين وضعتها، فأنا كالعادة أنسى دائماً أين أضعها عند دخولي المنزل، قررت كثيراً أني يجب أن أحدد مكاناً أضع به هذه المفاتيح الماكرة، لكني دائماً ما أنسى أو أتناسى و كأني أستبشر في الصباح برحلة البحث عن المفاتيح ثم الموبايل ثم سماعة البلوتوث ثم النظارة و أحياناً الساعة، خرجت من المنزل لست في عجلة من أمري، فأنا لست ذاهباً إلى العمل اليوم، بل ذاهب إلى مكان آخر فكرت كثيراً في الذهاب إليه من عدمه، و كان القرار بضرورة التغيـير، لا لشئ و لكن حتى يكون كل شئ سليم " ومية مية "، أنا لا أحب ألا يكون كل شئ سليم و في مكانه .... بغض النظر عن النظارة و الساعة و الموبايل و المفاتيح.
في هذا التوقيت ستكون الشوارع شبه خالية " و دي أحلى حاجة " فأنا لا أحب الزحام، مع أنه أصبح أمراً طبيعياً تعودنا عليه و لا يمكن العيش بدونه و كأنه إكسير الحياة، إلا أنني مازلت لا أحبه " وكل شئ بالخناق إلا حب الزحام بالإتفاق "، أمنية أخرى كنت أتمناها و أنا في طريقي هي ألا أجد مبنى مصلحة الأحوال المدنية مزدحم، فيا حبذا لو إنتهت كل الإجراءات بسرعة، دخلت إلى الموظف الذي كان مازال يفطر لأنه إنسان من روح و دم و لا بد أن يفطر قبل أن يزاول عمله، لا يهم أنه يضع سندوتشات الفول المليئة بالزيت على بعض الأوراق الحكومية، أو أنه في الأساس لماذا لم يفطر في منزله؟ كل هذه أمور تافهة لا طائل من الكلام عنها، المهم إن معالي الباشا يكمل فطوره، و بعد الإفطار لا بد من كوب من الشاي " عشان يظبط الدماغ "، و المواطن الغلبان الواقف في إنتظاره " يتحرق بجاز "، .... ما قلنا المهم إن معالي الباشا يفطر و يحـبس بالشاي.
عندما قال لي " إجري إلعب بعيد يا شاطر " أحسست أنني أريد أن " أنط في كرشه "، و لكن هذا ما يبحث عنه أي موظف مخضرم، لأني عندما " أنط في كرشه " سوف يدعي الإصابة و هنا سوف تكون جناية تعدي على موظف أثناء تناول إفطاره، أقصد أثناء تأدية عمله، أنا سأدخل السجن لمدة قد تصل إلى 6 شهور و هو سوف يأخذ إصابة عمل و " يأنـتـخ " في البيت و المرتب لن ينقص من مليم أحمر، أعتقد لذلك يتعمد كثير من الموظفين إثارة و إستفزاز المواطنين عسى أن ينولوا أحد الأمرين أجازة أو تعويض مادي محترم.
تمالكت أعصابي و ذهبت مباشرة إلى المديـر، نظر إلى الإستمارة و إلى العنوان الجديد، الآن علمت من أين آتى ذلك الموظف بتلك النظرة الخالية من المعاني، إنهم يأخذون دورات تدريبية بعد التعيين عن كيفية إلقاء مثل هذه النظرات، فلقد وجدت المدير يرمقني ينفس تلك النظرة، لكن و الحق يقال فلقد كان ذو خبرة عن ذلك الموظف الذي يبدو أنه مبتدئ، فنظرة المدير كانت تحمل الكثير و الكثير من اللاشئ، نظرة تدل عن أنه لم يصل لهذا المنصب من فراغ، لكن لإجتهاده في إلقاء مثل هذه النظرات المعبرة عن الفراغ، " إنت عاوز إيه بقى؟ " تكلم بعد طول إنتظار و شوقة، تكلم ليسأل نفس السؤال الذي سأله ذلك الموظف المبتدئ، الآن تأكدت أن هناك دورات تدريـبـية لهؤلاء الموظفين، بهدوء أوضحت أني أريد تغيير العنوان القديم بذلك العنوان الجديد.
الإسترخاء أمر ممتع، خاصة بعد وجبة غداء، تجلس أمام التلفاز، يدك اليمنى تحمل كوب نسكافيه ساخن، و اليسرى تحمل الريموت كنترول تقلب به بين القنوات، توقفت عند أحد البرامج الحوارية التي كانت تستضيف مسؤول كبير، أعجبني الحوار، أعجبتني الأسئلة، و الأكثر منها الإجابات، شعرت فيها إحساساً بالمسؤولية، دراسة منسقة، حلول لكل مشاكل الحياة، أحسست أنه مع الوقت سوف نشعر بالرخاء، سوف يرتفع دخل الفرد، سوف تنتهي أزمة إرتفاع الأسعار، سوف تختفي عمليات النصب و الإحتيال، ثم تهدم كل شئ دفعة واحدة بعد أحد التصريحات المفاجئة، " السوق ملئ بالمنتجات المحلية، أكثر من 90% من المنتجات الموجودة بالسوق المحلي هي منتجات محلية الصنع "، توقفت كثيراً جداً و تأملت نظرة ذلك المسؤول، لا أدري أين ضاعت كل التعبيرات الإيجابية من وجهه لتحل محلها تلك النظرة السلبية..... أو التي تعني شيئاً آخر.
تأكيدات بأن أغلب المنتجات هي منتجات محلية، حسناً، النظارة و الساعة و الموبايل صناعة صينية، سماعة البلوتوث و سلسلة المفاتيح و الكوب الي أشرب فيه النسكافيه صناعة صينية، القميص و البنطال و الحزام صناعة صينية، الألعاب التي إشتريتها لطفلي في عيد ميلاده الأول صناعة صينية، سجادة الصلاة صناعة صينية، عندما أصبت بنزلة برد نصحني الجميع بتناول الثوم الصيني، كذلك التسجيل الجديد و الأربع إطاارات و الأربع سماعات التي إشتريتهم للسيارة كانوا صناعة صينية، الكيبورد و الماوس اللذان أستخدمها الآن في كتابة هذه الكلمات صناعة صينية، المكنسة الكهربائية صناعة صينية، يوجد ذهب صيني، و سمك صيني، و اجهزة إلكترونية صينية و قطع غيار صينية و سيارات صينية، و ..... نكتفي بهذا القدر.
حتى أصدق هذه التصريحات الوردية كان هناك حل وحيد فكرت فيه كثيراً، تغيير عنوان الإقامة، لذلك توجهت إلى مكتب السجل المدي و في يدي إستمارة تغيـيـر بيانات البطاقة الشخصية أو الرقم القومي كما يقولون، الشئ الوحيد الذي كنت أريد تغييره هو عنوان الإقامة، فلد كتبت عنواناً في الصين، هذا هو الحل الوحيد، أني الآن أعيش في الصين و بذلك ستصبح تصريحات السادة المسؤولين تصريحات حقيقية بأن جميع المنتجات منتجات محلية الصنع، و لا أدري لماذا حتى الآن مازال ذلك المدير في مصلحة الأحوال المدنية ينظر إلى بتلك النظرة العجيبة.


بقلم م / مصطفى الطبجي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق