السبت، 30 أكتوبر 2010

ذباب أنواع


إستيقظت من نومي اليوم على صوت أكثر المخلوقات إزعاجاُ، ذبابة كبيرة الحجم عالية الطنيـن كثيرة الحركة مخيفة المنظر، فتحت عيني ببطئ و ظللت أتابعها، تمنيت كثيراً أن تخرج من الغرفة لتطنطن في مكان آخر، لا يهم أين هو هذا المكان الآخر فأنا لن أهتم كثيراً بهذا، كعدم إهتمامي من أين أتت أو كيف تسللت، المهم أن يوم أجازتي لا يضيع هدراً مع ذبابة قررت بدون سابق إنذار أن تقوم بدور المنبه " أبو دم تقيل "، خرجت الذبابة من باب الغرفة و قبل أن أحمد الله و أعود إلى نومي عادت مسرعة، على ما يـبدو أنها ذبابة عديمة الأخلاق تأصلت فيها صفة النكد و قلة تقدير المواقف، عديمة الإحساس نزعت منها الرحمة فأصبح قـلبها صلداً كالصخر، ..... إن كان مازال لها قلب.
و لأن المثل الشعبي يؤكد ( من عاشر القوم أربعين يوم ..... ) فأنا على يقين تام " و أقطع دراعي من هنا هو " أن هذه الذبابة كانت مستضافة من قبل ذبابة أخرى في فترة سابقة، ذبابة أخرى تعيش في أحد المستشفيات، أو أحد المستوصفات، أو أحد المراكز الطبية، لماذا؟ لأن المثل الشعبي مازال يؤكد تلك الحـقيقة، لماذا " برضه "؟ دعونا نستمع إلى قصتين مختلفتين في المكان و الزمان و البني آدمين و المادة، متـفـقـتـين في المضمون و المعنى.
ذبابة واضح عليها مظاهر العز، فالجسد ممتلئ فهي كبيرة الحجم و الصحة جيدة فهي تحلق عالياً و الحياة وردية فهي سعيدة و لماذا لا؟ فالهواء نظيف و الطعام متوفـر و المكان واسع، المكان هو أحد المستشفيات الخاصة التي لا يقترب منها إلا علية القوم من أصحاب الملايين و البلايين، كانت هذه الذبابة أثناء طيرانها شاهدة على تلك المرأة الثرية كما هو واضح من منظرها، الأجنبية كما هو واضح من لهجتها، المرتبكة كما هو واضح من لهفتها، الخائفة كما هو واضح من زوجها الموجود في عربة الإسعاف، لم تدري تلك الذبابة من ذلك المكان المرتفع ما هي علة الزوج بالتحديد، فقررت الهبوط مضحية بأمنها و سلامتها لتعرف ما هي القضية و على ماذا الخلاف، الحوار الذي على صوته وضح للجميع أن مسؤول الحسابات بالمستشفى طلب من الزوجة دفع ١٠٠ ألف جنيه تحت الحساب، و للأسف كان بحوزتها ٧٠ ألف جنيه فقط و لخطورة حالة زوجها طلبت منه وضع سيارتهما تحت أمر المستشفى لكنه رفض و أصر على دفع المبلغ كاملاً قبل دخول الزوج إلى المستشفى، إتصلت الزوجة بمدير الفندق الذي تقيم به و الذى تحدث إلى مسؤول الحسابات و أخبره أن المريض رجل أعمال ثرى و أن أمواله فى خزينة الفندق و أنه متكفل بإحضارها له، لكن مسؤؤول الحسابات بالمستشفى رفض وقال إن إدارة المستشفى ترفض هذا الأسلوب وتريد المبلغ كاملا، وأخبرهم أن الجراحة لن تتم حتى يدفع المبلغ كاملاً، النتيجة أن الرجل توفى بدون أدنى إحساس بالمسؤولية تجاهه، لم تهتم الذبابة كثيراً بهذا الموقف التي كانت شاهدة عليه، ربما لأنه يتكرر كثيراً، أو أنها عامة لا تهتم إلا بغذائها و عدم الإقتراب من صاعق الناموس و الذباب المعلق في أكثر من مكان.
ذبابة واضح عليها مظاهر البهدلة، فالجسد نحيف فهي صغيرة الحجم و الصحة غير جيدة فهي كلما إرتفعت وقعت على الأرض و الحياة سوداء فهي تعيسة و لماذا لا؟ فالهواء معبأ بالأتربة و الطعام قلما وجد و المكان ضيق كحواري بيوت النمل، المكان هو أحد المستشفيات العامة التي لا يقترب منها علية القوم، فهي مليئة بالأمراض و الأوبئة مع عدم وجود سرائر، كانت هذه الذبابة أثناء وجودها على الأرض تحاول جاهدة تفادي هذه الغابة الكثيفة من الأرجل شاهدة على تلك المرأة المتوسطة الحال كما هو واضح من منظرها، بنت البلد كما هو واضح من لهجتها، المرتبكة كما هو واضح لهفتها، الخائفة كما هو واضح من الطفل الذي تحمله على كتفها، لم تدري تلك الذبابة وسط تلك السيقان الغزيرة ما هي علة الطفل بالتحديد، فقررت محاولة الطيران عالياً مستنفرة ما تبقى من طاقتها لتعرف ما هي القضية و على ماذا الخلاف، الحوار الذي على صوته وضح للجميع أن الشخص الجالس على شباك التذاكر رفض دخول تلك السيدة إلى المستشفى لأنها لا يوجد معاه باقي ثمن التذكرة، فالتذكرة ثمنها جنيه واحد و خمسة قروش، و السيدة دفعت جنيه واحد فقط و لا تمتلك أي نقود " فكة "، فمازلنا في أول الشهر و كل النقود ما زالت " مجمدة "، حالوت هذه السيدة توضيح الأمر لذلك الشخص الجالس بلامبالاة إلا أنه أصر على دفع المبلغ كاملاً قبل دخول الطفل إلى المستشفى، بدأت هذه السيدة في التكشير عن أنيابها خوفاً على الطفل و غيظاً من ذلك الشخص الغير آدمي، لم تهتم الذبابة كثيراً بهذا الموقف التي كانت شاهدة عليه، ربما لأنه يتكرر كثيراً، أو أنها عامة لا تهتم إلا بغذائها الغير متوافر و التجول في غرفة العناية المركزة المكان الوحيد المكيف في المستشفى.
مع الفارق الكبير بين الذبابتين إلا أنهما يتعرضان لنفس المواقف، مع إختلاف الشخصيات و النتائج، و السؤال الذي طرأ في ذلك العقل الصغير لتلك الذبابتين، هل لو كان المريض قريب أو نسيب لمسؤول الحسابات أو لموظف التذاكر، هل كان سيعامل بنفس تلك الطريقة التعسفية أم أنه " هيتشال من على الأرض شيل "؟ لصغر عقل الذباب فهو لم يستطع إيجاد إجابة على سؤال مهم كهذا، و إن كان ليس هو المخلوق الوحيد الذي يسأل هذا السؤال.




بقلم م / مصطفى الطبجي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق