ما المقصود بالفهلوة ؟ .... قد يختلف الكثيرون في توظيف معنى دقيق صحيح لهذه الكلمة العامية المستخدمة من جميع طبقات الشعب المصري , حيث أن هذه الكلمة البسيطة تندرج أسفلها عدة معاني منها على سبيل المثال لا الحصر " التحايل " , " النصب " , " التلاعب " , " التذاكي " , " اللف و الدوران " , " الغش " .... الخ .
و إن كان هناك إختلاف في تحديد معنى محدد للفهلوة فهناك أيضاً إختلافاً كبيراً في إذا ما كانت الفهلوة أمراً مشروعاً أم مخالفاً للعادات و القوانين و الأعراف الدولية , و قد يكون الهدف من هذا التصرف هو المحرك الأساسي لتحديد شرعية التصرف الفهلوي من عدمه , فقد يقوم البعض بالتحايل على شخص ما أو شئ ما أو قانون ما لتحقيق غرض شرعي أو لتفادي إجراءات روتينية تعسفية أو لحل مشكلة عفوية , و قد يكون الهدف من هذا التحايل - و هذا في الأغلب - هو الحصول - بطريقة غير شرعية - على حق الغير أي كان نوع هذا الحق , لذا يتضح لنا أن الفهلوة ليست مجرد كلمة عامية .... بل هي ثقافة من نوع ما , ثقافة إنتشرت في المجتمع المصري كما إنتشرت في غيره من المجتمعات العربية و الغربية , ثقافة أورثت واقع يسيطر الفساد فيه على كل ملامحه .
و لعلنا نحن المصريون بلا منازع أسياد الفهلوة - في العالم العربي على الأقل - و ملوك اللعبة , فنحن " اللي دهنا الهوا دوكو " و " إحنا اللي خرمنا التعريفة " و " لعبنا بالبيضة و الحجر " و " أكّلنا فلان الأونطة " , و إذا نظر أي منا حوله في البيئة المحيطة به سيجد الكثير و الكثير من أمثلة واضحة لفهلوة المواطن المصري التي يوضح فيها بأبسط الأساليب ذكاءه المنتاهي و فطنته الرهيبة , و فيما يلي بعض الأمثلة الحية التي توضح حالة من حالات الفهلوة المصرية الأصيلة .
· المثال الأول هو ما حدث لي شخصيا عندما كنت ذاهباً مع صديقي طبيب الأسنان إلى مدينة السادس من أكتوبر , فمثل الجميع سلكت أقصر و أفضل الطرق و هو محور 26 يوليو أو كما يطلق عليه العامة إسم " المحور " , الغريب أن صديقي فاجئني بقوله أنه توجد كاميرات رادار رقمية - كاميرات ديجيتال – على طريق المحور و أنه يعرف أماكنها و سوف يخبرني قبلها حتى أهدئ من سرعة السيارة , إستعجبت كثيرا من كلامه الغير منطقي - على حد إعتقادي - حيث أنه من المفترض أن هذه الكاميرات مخبأة بطريقة جيدة - لا يمكن إكتشافها - تستطيع بها تصوير أي سيارة مسرعة , الشئ الأكثر غرابة أنني وجدت أن جميع السيارات تهدئ من سرعتها دفعة واحدة في مناطق محددة من الطريق و هي نفس المناطق التي طلب مني صديقي تهدئة السرعة , و لن أبالغ إن قلت أنني أحسست أن البعض سوف يترجل من سيارته و يدفعها بيديه حتى يكون متأكدا أنه لا يخالف السرعة المحددة , السؤال البديهي الذي بدر إلى ذهني هو أنه كيف علم الجميع بوجود هذه الكاميرات - الخفية - ؟؟
السر هنا يكمن في أن كاميرات الرادار- الرقمية - المستخدمة لها ضوء فلاش قوي للغاية يستخدم للتصوير الليلي , لذا و عند مرور أي سيارة مسرعة تقوم بتصويرها و لكن مع إستخدام ضوء الفلاش , الضوء الذي جعل الجميع يعلم بالتحديد بأماكن وجودها, لذلك أصبح الرادار مجرد نكتة مضحكة , حيث أنه لا يسجل أي سيارة مسرعة مع العلم أن حوادث السرعة مازالت تحدث ... وبكثرة , فقط لأن الجميع يتحايل على وجود هذه الكاميرات بتهدئة السرعة أمامها فقط و الإسراع في باقي الطريق , و مع ذلك نجد أن التحايل هو سمة التعامل مع هذه الكاميرات , و الإستياء من وجودها , و محاولة التذاكي عليها .
· المثال الثاني للعبة الفهلوة ما يحدث الأن من شركة الرشيدي الميزان " شركة الحلاوة الطحينية المشهورة ", فإنه عند فتح عبوة حلاوة الرشيدي الميزان سواء كانت الربع كيلو أو النصف كيلو أو أي كان سنجد أن العلبة مفرغة من الأسفل و أن الحلاوة موجودة بها من الأعلى فقط , بغض النظر إذا كان هذا غشا تجاريا أو تلاعباً بالمواطنين أو خرقاً للقوانين فهذه تعتبر أحد أمور الفلهوة التي تمارس على نطاق أوسع من قبل شركة و كيان إقتصادي له سمعته التجارية , فبدلا من تقليل حجم العبوة أو زيادة سعرها - الذي قد يدفع المستهلك للإستياء – تفتق العقل الفلهوي عن فكرة فهلوية و هي أن تقوم الشركة بتفريغ العبوات من الداخل بحيث يصبح حجم الحلاوة داخل العبوة أقل مما يجب و من هنا يأتي الكسب السريع .... و الرخيص أيضا , الغريب أن هذه الحيلة تحدث منذ مدة ليست بالقصيرة و مع هذا لم نجد من يستنكر أو يعقب على هذا الأمر , و إن كان هذا مؤشرا لنا يوضح أن أمور الفلهوة و اللعب بالبيضة و الحجر هذه لا تتم إلا في وجود طرفين أساسيين الطرف الأول يتمتع بالدهاء أما الطرف الثاني فيتمتع بال .... طيبة .
· المثال الثالث و الأخير هو ما حدث من الطالبات المنتقبات في جامعة عين شمس عندما أقر قانون بمنع دخولهن لجان الإمتحانات و هن يرتدين النقاب , و بالرغم مما قاموا به من مظاهرات صامتة داخل الحرم الجامعي لمطالبة رئيس الجامعة بالعدول عن هذا القرار- الغريب - إلا أنهن قوبلن برفض لهذا الطلب , و بغض النظر عن الرأي الديني لهذا القرار أو ما يقال عن أن إرتداء النقاب يسهل عملية " الغش " في الإمتحانات حيث أن بعض المنتقبات - و ليس الكل - يمكنهن التحدث في المحمول عن طريق سماعات البلوتوث أو السماعات العادية بدون أن ينكشف أمرهن و بغض النظر ما إذا كان هذا قراراً صائبا أو قراراً تعسفياً , فالطالبات المنتقبات تحايلن على هذا القرار بأن قاموا بوضع الكمامات التي كانت توزع للوقاية من أنفولونزا الخنازير في المدارس على وجههن داخل اللجان و بهذا أصبحن لا يرتدين النقاب و في نفس الوقت لم يكشفن عن وجوههن .
الفرق بين الأمثلة الثلاثة كبير جداً حيث أنه في مشكلة الرادار يتم التحايل على قانون المرور مع العلم أن وجوده مرتبط بسلامة المواطن و محاولة الحفاظ على حياته و ممتلكاته و تأمين الطرق من حدوث أية حوادث , أما المثال الثاني الخاص بشركة الرشيدي فهو تحايل من النوع الخطر .. النوع الذي يندرج تحته لفظ " الفساد " و " الغش التجاري " و هذا عواقبه وخيمة , أما بالنسبة للمنتقبات فهو تحايل شرعي من النوع المحبب للقلوب فبدلا من الإمتناع عن دخول الإمتحانات أملاً في أن يؤثر هذا في تطبيق القانون قاموا بإرتداء الكمامة التي أقرها الجميع و رب ضارة نافعة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق