السبت، 30 أكتوبر 2010
ذباب أنواع
الجمعة، 29 أكتوبر 2010
نظرات غريبة المعالم
الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010
بابا .. إحذر هذه المنطقة
الاثنين، 25 أكتوبر 2010
فراغ
الأربعاء، 20 أكتوبر 2010
يوم عادي غريب جداً
" تررررررررررررررررررررررررررررررررررررررن " كان هذا صوت تقليدي للمنبه التقليدي على ذلك الكومودينو التقليدي في تلك الغرفة التقليدية و الذي أيقظه في الساعة الخامسة و النصف فجراً، قام من فراشه ببطء متملكاً منه شعور كبير بالكسل و الإرهاق و عدم الرغبة في الإستيقاظ، إحتار في سبب هذا الشعور الذي يراود لأول مرة، فكر فيه لمدة ثانية واحدة، فلقد كان يعلم أن سبب هذا الشعور لم يكن لأنه قد عاد إلى منزله بعد منتصف الليل بعدما إضطرته الظروف إلى السهر في العمل " لتخليص الشغل المتأخر "، أو لأنه لم يستطع النوم جيداً لأن الشاب الذي يسكن بالشقة المقابلة قد حول شقته إلى ستوديو تحليلي لمباريات البلاي ستيشن، أغلب الظن أن سبب هذا الشعور هو أنه لم يعد لديه حماس كافي للعمل، لم يعد لديه حماس كافي للقيام بما تعود طوال عشرون عاماً أن يقوم به، ربما لأنه بعد تخرجه من كلية العلوم بتقدير مرتفع إعتقد بأن مكانه سيكون في المعمل وسط الأبحاث و التجارب و لكنه وجد نفسه في الأرشيف بين الملفات و الأتربة، لكن ما باليد حيلة فال " الإيد قصيرة و العين بصيرة " و طلبات الزوجة و الأولاد لا تنـتهي.
قام من مكانه مطأطأ الرأس " منعكش " الشعر يجر قدماه جراً مما جعلهما تصدران صوتاً عند إحتكاكهما بأرضية الغرفة الخشبية الخالية من السجاجيد يشبه صوت فحيح الأفاعي " اللي بتقول فوو فوو فوو "، طرق باب الحمام لا يدري لماذا يطرقه فهو يعلم أن الجميع نياماً و لكن يبدوا أنها العادة، لا يستطيع أن يبدأ يومه إلا بعد أن يأخذ حماماً بارداً، صيف أو شتاء لا يهم، " الدش " لا بد أن يكون بارداً، هو لا يتشائم أو يتفائل بهذا لكنها العادة أيضاً، فتح " الحنفية " و نظر إلى " الدش " في إنتظار نزول المياة، طال إنتظاره و وقوفه، لم تـنـزل المياة التي دائماً ما تذكره بمياة الأمطار التي كان يركض أسفلها و هو صغير، كل ما حصل عليه هو صوت زمجرة أو حشرجة و إرتجاج في المواسير و كأنها تريد أن تنفجر، أن تبوح بأسرارها، أن تظهر ما كانت تخفيه طوال عشرون عاماً قضتها في كنف هذا الرجل، نظر لها راجياً مترجياً متوسلاً أن تترك كل ما تعانيه و تشعر به الآن، إستحلفها بكل ما هو عزيز، بكل ما هو غالي، بكل ما هو نفيس أن تـتـنـازل عن مشاعرها و أحلامها فقط من أجله، من أجل بضع قطرات من المياة التي لا بد أن يبدأ بها يومه المشحون.
إرتفع صوت الزمجرة و كأنه يعلن عن العصيان، إزداد الإرتجاج و كأنه علامة عن مزيد من الغضب، ثم سكت كل شئ دفعة واحدة، و بدون مقدمات هدوء تام، أصبح لا صوت يعلو فوق صوت المياة المنهمرة و المعبرة عن رضوخ تام لطلباته التي لا تنتهي هي أيضاً، رضوخ تام يـصاحبه سحابة من الكبرياء و لمحة من الكرامة و العزة بالنفس، فالمياة لم تكن كما تعودها دائماً، بل كانت مليئة بأتربة جعلت لونها الشفاف يتحول إلى لون بني داكن يلاحظه جيداً على الرغم من ذلك الضوء الواهن الضعيف لتلك اللمبة المعلقة وحيدة في سقف ذلك الحمام الضيق، لون داكن جعله يتخيل نفسه يأخذ حماماً في الوحل.
خرج غاضباً، فهو لم يأخذ حمامه المعتاد، راوده شعور بأن اليوم لن يمر على خير ما يرام " الفار بيلعب في عبه و عينه الشمال بترف "، سرعان ما نفض هذا الشعور عن كتفيه، فهو لا يتشائم أو يتفائل بمثل هذه الأمور، وجهته كانت إلى " فرن العيش البلدي " الذي يبدأ عمله من بعد صلاة الفجر و حتى العاشرة صباحاً فقط، تعود كل يوم أن يقف في هذا الطابور الطويل للحصول على خمسة أرغفة لكي يفطر بها هو و زملاءه في العمل، خيل له أن الطابور أقصر من المعتاد، لا يهم، بدأ في إضاعة الوقت و ذلك بالتحدث مع الواقف أمامه أو الواقف خلفه، الحديث دائماً ما يكون عن أمور الحياة، فلقد تكونت بينهم علاقة صداقة طابورية، لا يهم عن ماذا يتكلمون أو في ماذا يفكرون، فهو لن يتذكر كلمة واحدة مما قالها هو أو قالها أحد الواقفين معه، و كذلك حال الجميع، كل ما في الأمر أنه يريدون تهوين طول الوقفة بالإنشغال عنها بالحديث، بينما هو يتحدث قـفز إلى ذهنه سؤال هام، هل يخبزون العيش بنفس تلك المياة المحملة بالأتربة التي رأها في حمام منزله المتواضع؟ قبل أن يجد إجابة شافية هاجمه سؤال آخر، هل سيكون هناك فرق ما إذا كانت المياة المستخدمة نظيفة أم لا؟ أم في كلا الحالتين سوف يشتري العيش؟ كانت الإجابة واضحة كنور الشمس في كبد السماء الصافية، العيش يحتوي على أتربة على مسامير على ذيل فأر لا يهم، المهم أن يجد ما يكمل به وجبة الإفطار.
الطابور يتحرك ببطء شديد، و كأنهم في إحدى إشارات المرور اللانهائية، ثم توقف الطابور فجأة و لمدة طويلة، أفاد أحد الظرفاء بعد طول توقف " أكيد في موكب وزاري معدي "، ضحك الجميع ضحكة يخفون بها ما يتملكهم من هموم ألقتها الدنيا عليهم و علقتها في أعناقهم، طال الإنتظار و بدأت عملية الململة، كان السؤال و كانت الإجابة المفحمة " مفيش دقيق "، يعلم الجميع أن صاحب الفرن يـبـيع الدقيق في السوق السوداء، و مع ذلك لم يبلغ عنه أحد لسبب بسيط، إذا قامت الحكومة بغلق الفرن و سحب الترخيص، من أين سيأتون برغيف العيش؟؟ " لسة الفار بيلعب في عبه و عينيه الإتنين بيـرفوا "، " اليوم باين من أوله " لكنه لا يتشائم أو يتفائل بمثل هذه الأمور.
أكمل سيره متجهاً إلى محطة الأتوبيسات، هو يعلم أنه محظوظ أنه دائماً ما يركب الأتوبيس من محطته الأولى و هو تقريباً فارغ لينزل منه في محطته النهائية، فهذا لن يعرضه للوقوف أو المزاحمة أو السرقة من هؤلاء النشالين المحترفين، هو في الأمان، بحث بنظره عن رقم 78 و كان هذا هو رقم الأتوبيس الذي يستقله كل يوم، طال بحثه و لم يعثر على شئ، أخرج منديلاً مسح به عدسات النظارة و بحث من جديد، " هو الأتوبيس إتسرق ولا إيه "، كان هذا ما يدور بذهنه وقتها لكن الكمسري و الذي أصبح يعرفان بعضهما جيداً أخبره أن اليوم عطلة رسمية و أغلب الخطوط تم إلغائها و تحويلها إلى المنتـزهات العامة، كيف نسي هذا؟، كيف نسي أن اليوم عطلة رسمية، هنا فقط تذكر أنه بالأمس تأخر الجميع في العمل لتعويض يوم العطلة الرسمية، هنا فقط تذكر أن ذلك الشاب أقام حفلة في شقته لأن اليوم عطلة رسمية، هنا فقط تنبه لماذا كان هذا الشعور بالكسل و كأن عقله الباطن يريد أن يخبره، هنا فقط تنبه إلى أن زوجته لم تستيقظ باكراً كعادتها، هنا فقط أدرك لماذا الطابور كان أقصر من المعتاد، هنا فقط أدرك أنه " ظبط " المنبه على الخامسة و النصف فجراً لأنها على ما يبدو العادة فقط، فلقد تعود على ذلك طوال عشرون عاماً.
" تررررررررررررررررررررررررررررررررررررررن " كان هذا صوت تقليدي للمنبه التقليدي على ذلك الكومودينو التقليدي في تلك الغرفة التقليدية و الذي أيقظه في الساعة الخامسة و النصف فجراً، قام من مكانه مطأطأ الرأس " منعكش " الشعر يجر قدماه جراً، طرق باب الحمام، فتح " الحنفية " و نظر إلى " الدش " في إنتظار نزول المياة، طال إنتظاره و وقوفه و لكن لم تـنـزل المياة، كل ما حصل عليه هو صوت زمجرة أو حشرجة و إرتجاج في المواسير، تذكر ما حد يوم أمس، إرتدى ملابسه و عاد إلى فراشه لينام من جديد، هو لا يتشائم أو يتفائل بمثل هذه الأمور و لكنها على ما يبدو العادة، فلقد تعود على ذلك منذ ليلة أمس.
بقلم م / مصطفى الطبجي