الثلاثاء، 28 يونيو 2011

ثوابت كروية... وجماهير مريبة

تعودت ألا أتكلم في الرياضة، لخمسة أسباب، السبب الأول أنا لست رياضياً معلوماتياً محترفاً، السبب الثاني الرياضة في مصر تفتقر في معظم مراحلها إلى شيء مهم جداً... أولا وهو الرياضة، السبب الثالث المبالغ الخيالية التي نسمعها كأسعار لاعبي كرة القدم والتي تفوق ميزانية إتحادات باقي اللعبات في المحروسة يصيبني دوماً بصداع جزئي، السبب الرابع مش فاكره دلوقتي، السبب الخامس في الرياضة لا يوجد جديد، فريق الأهلي دوماً في مقدمة تصنيف الدوري، وتصريحات الزمالك دوماً في مقدمة صفحات الجرائد.

ما دفعني اليوم إلى الخوض في دهاليز رياضة كرة القدم، أمران لا ثالث لهما، أولاً المباريات إنتقلت من الملاعب إلى صفحات الفيسبوك، ثانياً اللاعبون إنتقلوا من الهجوم إلى الرقص على واحدة ونص، ثالثاُ الجمهور إنتقل من التشجيع إلى رحمة الله تعالى، طبعاً علمتم عن من أتحدث، مبروك عليك يا قارئ يا جميل، إنت فكرت صح، تكسب 100 جيه، أكيد... أكيد... أكيد... أنا أتكلم عن نادي الزمالك.

من الثوابت الكروية التي تربى عليها الأباء و الأجداد أن "الدوري والأهلي إيد واحدة"، لكن ولأن لكل قاعدة شواذ، فإن القاعدة أحياناً تتحول إلى "الدوري والكاس والأهلي إيد واحدة"، ثم تتحول بقدرة قادر إلى "الأهلى والكاس والسوبر والدوري على الزمالك" وعلى المتضرر اللجوء لغرفة خلع الملابس.

هذا الموسم كانت الفرصة كبيرة ليحتل الزمالك أول الدوري منذ البداية، ويفوز بالدرع في النهاية، وما بين البداية والنهاية كنا سنرى أكثر المسلسلات الكروية شخلعة وهشتكة و بشتكة، فنادي الفن والهندسة كان يمكنه بكل بساطة حتى إن كان لاعبوه يلعبون برجل واحدة أو مغمي الأعين أن يقوم بعملية تصفية لحساباته القديمة مع كل نوادي مصر، وجه قبلي وجه بحري، رايح جاي.

كما تعود ذلك النادي العريق مع جماهيره، دائماً وأبداً يطلع بهم سابع سما، ويحطهم فوق أعلى ناطحة سحاب، ثم يرميهم بدم بارد في حفرة عمقها 200 متر، فقط ليتأكد أنهم قد إنتقلوا إلى إذاعة خارجية، العجيب والمريب في نفس الوقت أن تلك الجماهير لا تتعلم من أخطائها، نفس الكلام يتكرر يوم يوم، دوري دوري، موسم موسم.

إلى هنا ينتهي كلامي، لكن لا ينتهي الكلام، الأمر متروك لكم، كل يكمل باقي المقال بما يراه مناسباً، بما يراه واقعياً، لا أريد أحلام وردية، وتصريحات برسيمية، وتوقعات مرئية.


م / مصطفى الطبجي

الخميس، 23 يونيو 2011

وثـيـقة البـيـضة و الفرخـة

الأخبار المتلاحقة تكون في الغالب نتيجة للأحداث المتتالية، والأحداث المتتالية تكون في الغالب نتيجة إختلاف في الأراء، وإختلاف الأراء يكون في بعض الأحيان نتيجة وجود أجواء من الديمقراطية، والديمقراطية لا تتواجد إلا بعد عدة أحداث متتالية ترسخ قواعدها، والأحداث لا تتوالى إلى بعض تلاحق الأخبار من هنا وهناك والتي قد تؤكد بعض الحقائق المفزعة.

هو موضوع أشبه بالبيضة والفرخة، أيهما يسبق الآخر، كما أنه و للعجب العجاب يشبه بدرجة كبيرة الحرب الفكرية الدائرة حالياً بين من يريدون الدستور أولاً، ومن يريدون الإنتخابات أولاً، كلٌ له فكره وإعتقاده وإقتناعه وإعتناقه، الحقيقة المؤكدة الوحيدة أن أي كان منهما (الدستور – الإنتخابات) سيحتل المركز الأول سياسياً فإن المؤكد الوحيد الآن أنّ الزمالك قد إحتل بالفعل المركز الثاني كروياً.

أنا من مؤيدي الإنتخابات أولاً، هذا حقي، وقد تكون أنت عزيزي القارئ من مؤيدي الدستور أولاً، هذا حقك، في كلا الحالتين يجب أن يحترم كلٌ منا نتيجة ما إختارته الأغلبية، وأن نتحمل معاً نتائجها المبـشّــرة أو عواقبها الوخـيمة، هذه أبسط قواعد الديمقراطية التي خرج من أجلها الملايين يوم 25 يناير، هذه أبسط قواعد الديمقراطية التي كنا نخبط كفاً على كف كيف لا يطبقها النظام البائد الذي كان يفتخر دوماً أنه مثال جيد للديمقراطية في المنطقة العربية.

على عكس مشكلة البيضة و الفرخة، بدأت يظهر في الأفق حلاً جذرياً لمشكلة الإنتخابات والدستور، والإبتعاد عن حملة الـ 15 مليون المواطن (الموافق) لمبدأ "الدستور أولاً"، فلقد انتهى أخيراً التحالف الديمقراطى من أجل مصر، بصياغة وثيقة مشتركة تنهى الجدل بالتأكيد على مبادئ حرية العقيدة والدولة المدنية والتأكيد على الاستمرار فى العمل من أجل بناء مصر وطناً للجميع مستقلاً وحراً، ومن ثم فالأمور أصبحت واضحة ولا يعنينا الدستور أولاً أم الانتخابات أولا.ً

الآن يمكن للجميع أن يتنفس الصعداء، إنفرجت الأزمة بعد أن كانت متفجرة، معظم القوى الوطنية تقبلت فكرة التضحية وأصبحت تفكر الآن في المصلحة (العامة)، إلا أنه مازال هناك تجاهل للثانوية (العامة)، ومجادلات مع النيابة (العامة)، لكن مع ذلك، هذه نتيجة مقبولة متوقعة بعد ثورة مشـــّرفة أحدثت الكثير من التغيير في حياة كل منا.


م / مصطفى الطبجي

الخميس، 16 يونيو 2011

إنت بتعمل إيه يا طفنش؟؟


من أفضل مكتسبات الثورة من وجهة نظري المتواضعة، أن برامج "التوك توك" المعروفة مجازاً و إختصاراً بإسم "التوك شو" لم تتسبب في إصابة أي منا بصداع مزمن ناتج عن كثرة الجدل و الإعتراض الغير ذي داع و الغير ذو معنى حول إمتحانات الثانوية العامة.

على مدار عدة أعوام سابقة كانت فقرات البرامج تمتلئ بخبراء التعليم للوقوف على مدى صعوبة أسئلة الإمتحانات، و صور حصرية للطلبة في لجان الإمتحان، و صور فجائية للذين يبكون من صعوبة الإمتحان، و إن كانت أهم الصور جميعاً هي صورة تلك الفتاتان اللتان كانتا تراجعان أسئلة إحدى المواد بعد الخروج من اللجنة و على وجهيهما إبتسامة عبور خط ماجينو بتاع فرنسا، تلك الصورة كانت كالعلامة المسجلة، لابد أن تتحفنا بها الصحف كل عام.

السبب ليس الوعي الإعلامي، و لا الفكر الثورجي، بل هناك إمتحانات أكثر أهمية هي التي تشغل عقل و قلب "التوك توك"، أو بالأحرى هي ليست إمتحانات، هي إختبارات، إختبارات سياسية مصيرية، و يبدو و الله أعلم أن النتيجة ستكون لم ينجح أحد، الكل راسب و باقي للإعادة، بـِـدْأ من برامج "التوك شو"، مروراً بالأحزاب، وصولاً إلى الحركات والإئتلافات الشبابية، إنتهاءً بالتيارات الدينية.

مثل التلميذ الفاشل الذي أضاع وقته و مجهوده و عقله و تفكيره في تحضير "البرشام" الذي سيستخدمه في الإمتحان ليكون هو وسيلته المثلى للنجاح، بدلاً من أن يضيع وقته في ما هو أفيد وأفضل... كالمذاكرة و الإجتهاد، أضاع الجميع وقته و مجهوده و عقله و تفكيره في تحضير "الفيديو" الذي سيستخدمه في تشويه الطرف الآخر ليكون هو وسيلته المثلى للنجاح، بدلاً من أن يضيع وقته في ماهو هو أفيد و أفضل... كالحوار و النقاش.

لم ينتبه أحد هنا أن الغالبية العظمى من الشعب، الغالبية الغير منتمية لأي تيار ديني أو فكر  تحرري أو حزب لولبي تقوم الآن بدور المراقب في لجان الإمتحان، ذلك المراقب الذي تعرفونه جميعكم، ذلك المراقب الذي مر على كل منكم، الذي يظل طوال الثلاث ساعات رايح جاي  رايح جاي بين الصفوف و الطلبة، عينه ثاقبة، عقله متحفز، يده متحمسة، يبحث عن أي طالب خلبوص يستخدم "البرشام"، لينقض عليه مسرعاً، يفتك به متلبساً، يهمس له صارخاً "إنت بتعمل إيه يا طفنـش؟؟؟".



م / مصطفى الطبجي

السبت، 11 يونيو 2011

بلد رشّـة دواخل

المصائب لا تأتي فراداً، بل تأتي دوماً في كوكتيل ظريف  يشبه لدرجة كبيرة كوكتيل فرغلي، لذلك عندما أصبت بالتهاب في الأعصاب، و زيادة في نسبة الأملاح، و إرتفاع في إنزيمات الكبد، و تسوس في أحد الضروس في أسبوع واحد، لم أغضب، و لم أعتكف منتظراً روشته الطبيب التي بالتأكيد ستكلفني ما كنت "أنـتـوي" أن أشتري به بنطلون جـينز تـُركي... بني اللون.

 أيضاً سيارتي العزيزة الظريفة أم دم خفيف، التي لا تتعطل إلا يوم الخميس مساءً أو الجمعة صباحاً، لا لشيء، فقط لتنكد عليّ من باب الإستهبال أو إثبات من هو المتحكم منـّا في الآخر، هى الأخرى أعطالها لا تأتي فراداً، ففي لحظة واحدة وجدت البطارية و الدينمو و الشكمان و العجلة الخلفية قد أعلنوا عن أنفسهم، ليكلفوني ما كنت "أنـتـوي" أن أشتري به سماعات ياباني... سمراء اللون.

كعادة كل الأمور المُـرتـّـبة في هذا البلد المتباعد الأصوات المترامي الأفكار، ذهب أخي بالسيارة إلى الطبيب و منها إلى مركز الأشعة لعمل فحوصات لها، و ذهبت أنا إلى الميكانيكي ومنه إلى الكهربائي لعمل تظبيطات لي!!!

هناك علمت أني لم أكن الوحيد، طلعت فـرّة و طايحة في البلد، ربنا المنـجّي و المعين، البلد بأكملها تحتاج إلى تظبيط، وتربيط، و لا مانع من تغيير بعض قطع الغيار التالفة، كطريقة التفكير والتكفير، والتعبير عن الإختلاف و الإئتلاف، والإعتراض على الغير، وأسلوب الحوار، وطريقة فرض الرأي ورفض القانون، و إنتقاء الألفاظ، بمعنى آخر، البلد تحتاج إلى (عَــمرة) جسيمة غالية الثمن، وأهلها يحتاجون إلى (عُــمرة) مباركة رخيصة الثمن.

أكثر ما أراحني بعد هذا الأسبوع الغير ديمقراطي، أن البلد طلعت "مش رشّـة دواخل"، ولأن كثيراً منكم لن يفهم هذا المصطلح الذي يستخدمه سمكرية السيارات دوماً و أبداً، فسوف أواتيكم بالترجمة الفورية حالاً، عندما يؤكد السمكري أبو وش سِـمح أن هذه السيارة "رشة دواخل" فهذا معناه أن هذه السيارة قد تعرضت لحادث عنيف، يصعب معه إرجاعها إلى حالتها الأولى، أما إذا كانت "مش رشّـة دواخل" كحال البلد، فإن كل شيء مهما كان عظيماً يسهل إصلاحه، فقد نحتاج إلى صبر ووقت وعزيمة.... وقطع غيار أصلية.



م / مصطفى الطبجي

الأربعاء، 8 يونيو 2011

التقويم الجديد


يوم ما جالها الخبر ماعرفش ضحكت و لا بكت

بس اللي أعرفه

و اللي أنا متأكد منه

إنها لا صرخت... و لا إشتكت

و لا قالت إشمعنى

ده أنا ماعنديش غيره

أصلها كانت فاهمة معنى

يعني إيه إبنها مات علشان فدى غيره

يا أم البطل يا أم الشهيد

يا أم اللي فتح باب الأمل من جديد

يا أم اللي حررنا من بعد ما كنا عبيد

من النهاردة... كلنا أولادك

دم الشهيد إنكتب به أطول رسالة

رسالة من كلمة واحدة... إستحالة

رسالة من معنى واحد... العدالة

يا أم الشهيد من النهاردة إفرحي بحلاوة بلادك

بلد كأنها لسة يا دوب مولودة

و نور الشمس أول مرة يدغدغ وشها المكشوف

أهلها حبات لولي معقودة

على ورق شجـر مُـدهب... من الجنة مقطوف

يا أم الشهيد بلدنا كانت من زمـن مخطوفة

ما بين حَــوَش و نـَـور و عصابة على الجـاه ملهوفة

دلوقتي و بعد ما رجعت لينا زي العروس البـِـكر

هأقولك هنعمل إيه علشان نخَـطي الفقر

شوارعها هترجع تاني و لا المرايات

من غير مساعدة من حد هنردم على اللي فات

معتـش في تاني مِـطاطية

و لا فلوس من تحت لتحت مستغطية

إنتهى عصر متعرفش إنت بتكلم مين

من هنا و رايح... كلنا بني آدمين

كلنا في حجم بعض... الوزير زي الغفير

الإتنين هنلاقيهم واقفين في طابور العيش

و في آخر الشهر مرتبهم الإتنين مش هيطير

مش زي الأول
كنا نلاقي واحد فطاره كافيار... و التاني فطاره مفيش

من النهاردة بعون الله بدأنا تقويم جديد

لا هجري و لا قبطي و لا ميلادي

تقويم نحتناه بإيدينا على جمر الحديد

أيامه عزيزة و وقته دهب غالي

مش هنفضل نقول هنبني و هنعمل و نسـوّي

أفعالنا هتكون هي الكلام، صوتنا عالي و مــدوّي

يا أم الشهيد لا تخافي على الدم اللي راح

إوعي تفتكري إننا نسينا مطالبنا

بعد أي ثورة لازم تلاقي في بعض النـُبـاح

من ناس غاوية تكسر مجادفنا

بس العزيمة و الإصرار لسة جوانا عايشين

إتزرعوا يوم ما كنا في الميدان بايـتـيـن

و طول ما الروح بتسري هما جـوّانا مش طالعين

هيقفوا في وش أي فلة من الخاينين


م / مصطفى الطبجي

الاثنين، 6 يونيو 2011

من يستحقون قلم على القـفـا

حقيقة لا يمكن إنكارها أن "القفا" يستحمل كثيراً في هذه الأيام، حتى أنه يستحمل أكثر مما كان يستحمله "قـفا" فيلم الكيف، الظروف الآن مختلفة، وأكثر صعوبة، حتى أن المثـل القديم تغير هو الآخر ليصبح (الضرب على القفا أمّـــر من السحر).

لعل أبسط مثال على صدق كلامي هو ما كان يقوم به الراكب الخلفي مع سائق "الفيزبا"، سائق "الفيزبا" شاب طائش، ربما يكون متحمس هو الآخر، يقود بسرعة في منطقة مزدحمة، إنطلق كالسهم ملاصقاً للرصيف، فوجئ بسيدة تحمل طفلها على كتفها، وفي يدها اليمنى تمسك طفلتها الأخرى، صوت الفرامل كان عالياً، تفادهم بصعوبة، ثم انطلق من جديد وهو يصرخ في السيدة بكوكتيل ظريف من الشتائم، هنا عاجله الجالس خلفه على "الفيزبا" بقلم مطرقع على "قفاه"، قال له (بتتكلم في إيه؟ انت الغلطان).

كانت الإشارة حمراء، مع ذلك أصر سائق "الفيزبا" على كسر الإشارة، حظه السيء أو الجيد -لا أدري- أن سيارة مسرعة كانت ستصطدم به، تفادته في اللحظات الأخيرة، نظر له سائق السيارة نظرات تحمل الكثير من معاني الغضب، صرخ سائق "الفيزبا" في سائق السيارة بكوكتيل ظريف من الشتائم، هنا عاجله الجالس خلفه على "الفيزبا" بقلم مطرقع على "قفاه"، قال له (بتتكلم في إيه؟ انت الغلطان).

إنطلق سائق "الفيزبا" مرة أخرى كالطلقة، عيار 9 ملل، يتأرجح يميناً و يساراً لا يعلم من خلفه إلى أي إتجاه سيذهب، و هذا ما حدث مع سائق الميكروباص، حاول أن يتخطى "الفيزبا" من ناحية اليسار على أساس أن سائق "الفيزبا" إتجه يميناً بالفعل، إلا أنه فوجئ به يعود إلى اليسار مرة أخرى، خدش بسيط في باب الميكروباص كان هو نتيجة هذا اللقاء الغير العاطفي، شجار بسيط، تحول إلى شجار عنيف، هنا قـــدّم سائق "الفيزبا" لسائق الميكروباص كوكتيل ظريف من الشتائم، عاجله الذي كان جالساً خلفه على "الفيزبا" بقلم مطرقع على "قفاه"، قال له (بتتكلم في إيه؟ انت الغلطان).

أتمنى أن تكون الصورة قد إتضحت الآن، لذلك عزيزي القارئ أريد منك أن تتعاون معي، أو حتى أن تتعاون مع نفسك، فكـّـر، ترى من يستحق الآن ذلك القلم اللي على "القـفـا"، من يستحق أن نذكره دوماً بأهداف الثورة، إذا وجدته عزيزي القارئ، و وجدته قد حاد عن الطريق الذي رسمته دماء شهداءنا أرجو منك أن تناوله قلم مطرقع على " القـفـا" بالنيابة عن 80 مليون مصري.


م / مصطفى الطبجي

إتنين كيلو ديمقراطية

ذهبت اليوم إلى البقال المجاور، وقفت أمامه متحفزاً، سألته "عاوز إتـنـيـن كيلو ديمقراطية لو سمحت؟؟" قال لي"ماعنديييييش"... بس هو كان عنده جُـوّة، كل البقــّـالين مخـزنـيـن البضاعة عندهم في المحلات، الكل متوقع إن السوق يشـح الفترة الجاية، والطلب عليها يزيد، وهنا تبدأ اللعبة القديمة المتكررة، التلاعب بالأسعار، وأحمر وأقرع يا بطيخ.


من تسرع في الحكم و وصفني بالجنـون سأعلم أنه معارض، ومن وصفني بالتشدد سأعلم أنه ليبرالي، ومن وصفني بأنني لست سليم التفكير متحرر سأعلم أنه إخواني، ومن وصفني بأني من الفلول سأعلم أنه إئتلافي، ومن وصفني بالإلحاد سأعلم أنه سلفي، لكني في الحقيقة لست إلا مصرياً، يريد شراء بعض متطلبات حياته اليومية.


فيما قبل الثورة -إذا كنتم تتذكرون- كنا متفقين على أمر واحد، النظام فاسد، كل من كان له عقل و ضمير حلف يمين طلاق بالتلاتة إن النظام فاسد، منتهي الصلاحية، وريحته طالعة فايحة، البعض حاول مواجهة هذا الفساد، البعض فضل تجنب هذا الفساد، البعض قرر الهروب من هذا الفساد.... هذا يعني أننا كنا متفقين.


عندما قامت الثورة -إذا كنتم تتذكرون- كل اللي كانوا بيحلفوا إتفقوا على إنهاء ذلك العصر الأسود من قرن الخروب، المعظم توجه إلى الميدان، الكل إتفق على مطلب الرحيل، الكل إتفق على أن إرحل معناها إمشي، لماذا كل هذا؟؟ ليس لأن عصر مبروك أبو الولدين حسونة كان أكثر عصور مصر ديكتاتورية، هناك من كان أكثر ديكتاتورية منه، لكن لأنه عصر هذا الرجل كان يتميز بالديكتاتورية الغبية المتعجرفة، تركيبة عجيبة اجتمعت في زمن واحد لتنتج سرطاناً متعدد المواهب يعرف بإسم الفساد.... هنا أيضاً كنا متفقين.


الآن وبعد الإطاحة بالحكومة، وفي محاولة لإصلاح البلاد بعد أن نخرتها السوسة، وإنقاذ الجنية بعد أن أكلته البرومة، والنهوض بالشعب بعد أن أطاحت به أمراض الشيخوخة، حدث إتفاق بين جميع القوى الشعبية، إتفاق قديم نوعاً ما، لكنه جديد شكلاً ما، إتفاق على الإختلاف فيما بيننا، إتفاق على تبادل الإتهامات، إتفاق الإستحواذ على دور البطولة، إتفاق على الإنفراد بإتخاذ القرار، إتفاق على ترك الأسس و الإمساك بالفروع.... هنا أيضاً كنا أكثر من مجرد متفقين.


تركت محل البقالة ذاهباً إلى محل آخر، لكن كل المحلات التي مررت عليها كان أصحابها يؤكدون إن مفيش عندهم ديمقراطية، "والله شاحـّة يا بيه ومش موجودة خالص، ولو لقيتها هتلاقيها متخزنة بقالها مدة، يعني مش هتعجبك و هترميها على طول"!!!.


م / مصطفى الطبجي