الثلاثاء، 23 أغسطس 2011

كان الله بالسر عليم


في أوقات كثيرة يكون الحماس ليس أكثر من غمامة تغطي أعين البعض فلا يتمكنون من رؤية حقائق قد تكون واضحة وضوح المحفظة في جيب النشّال، يحدث هذا غالباً مع الشباب المتحمس، ملناش دعوة بالجماعة اللي دماغهم فيها بلاي ستيشن وبس، ونادراً ما يحدث مع رجل تتخطى تورتة عيد ميلاده الخمسين شمعة، حتى لو كان أكثر حماساً من الشاب، ملناش دعوة بالجماعة اللي بيرجعوا مراهقين على كبر، السبب هنا هو عنصر الخبرة الذي يكون مقداره قليلاً لدى الشباب بصفة عامة.

إذا أراد شخص ما القيام بعمل ما -أي كان نوع العمل- لابد وأن تتوافر به عدة صفات، ومادمنا قد ذكرنا عملية النشل في البداية دعونا نكمل ما بدأناه، النشّال يجب أن تتوافر به عدة صفات، أولها الجرأة، فلا يجوز أن يذهب إلى جيب الزبون وهو خائف، سوف ترتعش يده وينقبض عليه، وأحلى علقة لأحلى نشّال من أحلى ركاب في أحلى أتوبيس.

بعد الجرأة التي قد يليها دعاء تيسير الرزق -عند بعض النشالين- يأتي دور صفتي الإصرار والمثابرة، فلا يجوز أبداً أن تكون يد النشال في جيب الزبون ثم يفكر عقله في التوبة، أو يفكر في الحالة الإقتصادية للمأسوف على أمره، ومدى تأثرها بالسرقة، مع أول ضغطة فرامل من سواق الأتوبيس سيكون مصير النشال نسخة بالكاربون من نفس العلقة إياها.

بعد ذلك يأتي دور الصبر على الغنيمة، أو الصبر على النتائج كما يقولون، وأصبر تنول، فلا يجوز أبداً فتح المحفظة أمام الجميع، وإلا كان ذلك النشال في "كي جي وان" نشل ولا يعلم قواعد وأصول اللعبة، يجب أن يصبر حتى ينزل من الأتوبيس، والنزول هنا يجب أن يكون سريعاً، بعد ذلك يمكنه إستكشاف مدى الخير الذي حل به، وهل المحفظة عمرانة، أم تحتوي فقط على بعض الكارينهات.

هنا يتضح أن عنصر الخبرة يكون مؤثراً أكثر في مرحلة جني الثمار، أو مرحلة تحقيق النتائج، أو مرحلة تحقيق المكسب، سمّوها زي ما تسمّوها، المهم معرفة هل نتائج ذلك العمل ستتحقق مباشرة أم ستظهر بعد ذلك على المدى البعيد؟؟؟

الشاب المتحمس بطبعه يريد نتائج فورية، أما صاحب الفكر الناضج فقد ينتظر ظهورها في الوقت المناسب، وهنا يظهر الخلاف إذا ما إشترك شاب ذو حماس و رجل ذو خبرة في القيام بعمل واحد، الحماس سيتهم الخبرة بأنه قد باع القضية، والخبرة ستتهم الحماس بأن حمقاء، وهنا تضيع القضية نفسها، وينشغل الطرفان في الهجوم كل على الآخر، النتيجة أن طرف ثالث ليس له في الطور ولا في الطحين هو من سيجني ثمار الثورة... وكان الله بالسر عليم.


م/ مصطفى الطبجي

                                                                                                                                            

السبت، 20 أغسطس 2011

الفارس الذي فقد سحره


في العصور السابقة كان الحاكم أو الوالي لابد وأن يكون فارساً، يحكم بين قومه بالعدل، ويقود جيشه في المعارك إذا لزم الأمر، ولأن أول صفات الفارس هي الشجاعة، كان الفارس يُـعـرف من أفعاله، أما في العصر الحديث فالحاكم الشجاع يـُعـرف من قوة قراراته، ومن تحمّله لأخطائه، لذا فإن أهم علامة من علامات الحاكم الناجح مش إنه يرفع إيده لفوق، بل أن يقف شعبه وراءه عن طيب خاطر معيناً، ومسانداً، ومؤيداً له، وكان أفضل مثال على ذلك هو الراحل جمال عبد الناصر، فهذا الرجل لم يكن حاكماً ناجحاً فقط (مع التحفظ عن بعض الاخطاء)، بل كان زعيماً... بكل ما تحمل الكلمة من معاني.

وليس هناك أسوء بعد الحاكم الخائن لبلده من حاكم متذبذب القرار، ويبدو أن مصر تحتاج بشدة إلى ثورة أخرى يكون شعارها (الشعب يريد اسقاط التذبذب)، ومن دلوقتي علشان محدش يرجع يعمل مش واخد باله، بديلاً عن كنتاكي اللي بقى مهروش سيكون الراعي الرسمي لهذه الثورة هو المبيد الحشري (ريد) الجديد أبو غطاء أخضر ذو القوة الجبارة والفعالية الأكيدة التي تقضي نهائياً على "التذبذب" والناموس والنمل والصراصير... ومن رشة واحدة.

هي رشة واحدة -إن صح الإعلان- لكن يبدو أنها يجب أن تكون رشة جريئة، تلك الجرأة التي افتقدها الجميع في رد الفعل الفوري الرسمي لمقتل جنود كانوا يؤدون واجبهم، الحكومة أو المجلس العسكري على ما ببدو أنهما مازالا يفضلان استعمال "المنـشّـة" في التعامل مع تلك الأزمات، و"المنشـّة" هنا هي التعريف المصري الصميم للأسلوب العقيم التقليدي الذي كان متبع في ظل عهد الرئيس السابق.

فما أسهل اصدار قرار بسحب السفير، ده حتى أسهل من سحب تصويرة "الشايب" عند توزيع ورق الكوتشينة، أو قطع الغاز الذي هو أيضاً أسهل من قطع الكهرباء عن بعض القرى في الريف، لكن أن يقال أن ما أذيع على الصحفيين ليس إلا "مسودة" وزعت بالخطأ، فهذا يعني أنه في يوم من الأيام سيخرج عيلنا وزير -بإسقاط الواو-من الوزراء ليخبرنا أن قرار "تـنحـي" الرئيس السابق لم يكن سوى "مسودة" تسربت بالخطأ لوسائل الإعلام، وهوبـّـا نلاقي البيه رجع نط على الكرسي من تاني، وكأنك يا أبو زيد ما غزيت وإبقى سلملي على نفسك يا ثورجي منك له.

في النهاية أنهي كلامي بإقتباس للشاعر محمد أمل فهيم أبوالقسام محارب دنقل، وشهرته (أمل دنقل)، أنهي كلامي بجزء بسيط من رائعته "لا تصالح"، حين قال :-

لا تصالح
ولو قيل ما قيل من كلمات السلام
كيف تـسنـتـشق الرئتان النسيم المدنس؟؟
كيف تنظر في عيني امرأة
أنت تعرف أنك لا تستطيع حمايتها
كيف تصبح فارسها في الغرام؟؟
كيف ترجو غداً لوليد ينام
كيف تحلم أو تتغنى بمستقبل لغلام
وهو يكبر بين يديك.. بقلب منكس؟؟


م / مصطفى الطبجي

بالأزمة القديمة


من ضمن الميراث الذي ورثناه عن النظام السابق، ورثنا أزمة إنعدام الأخلاق، لأن الرئيس عندما يكون فاسداً، ولكي يحكم شعباً بنسبة نجاح تتخطى 94.9% "مرحلة أولى يعني" لابد أن يـنـشـر الفساد في العقول على قد ما يقدر، هنا تنطبق المقولة (لا تعايرني ولا أعايرك الفساد طايلني وطايلك)، ويوم ما تحصل ثورة في البلد يخلع البيه بالفساد بتاعه... وإبقى حاكمني شكراً.

يتبقى لنا بعد ذلك من إستسلمت عقولهم لعملية الإفساد، ليكملوا الصداع المزمن التي كان يقوم به من لعب في لامؤاخذةةةةة... عقولهم، واللهم أخزيك يا شوشو، وهؤلاء نوعان، نوع تكون "أزمته" مقاس 44 بانص من غير رباط، والنوع الآخر تكون "أزمته" أطفالي من غير كعب بس شيك، لكن في النهاية كلاهما أزمة أخلاق.

المدرك الحقيقي لمعاني حرية التعبير وحرية الرأي وحرية الفكر وحرية بنت الأستاذ عويس، يعلم جيداً الفرق الشاسع بين الحرية وقلة الأدب، فلا يجوز مطلقاً أن يكون التعامل بمبدأ (خدوهم باللسان الطويل ليغلبوكم)، قد أكون مختلفاً مع شخص أو فكر أو مجموعة أو كيان، لكن هذا لا يعني إني "أسيـّب" لساني عليه، أما من يطلقون لزفارة لسانهم العنان، فهؤلاء هم من يستحقون فعلاً الضرب... "بالأزمة" القديمة.

مع ذلك فإن الكثيرون منا مازالوا يدركون قيمة ومعنى أن الإختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، والحمد لله إنهم كتير وإلا كانت الدنيا خربت من بدري، وكان من الممكن وقتها أن يتحول النشيد الوطني من (بلادي بلادي لك حبي وفؤادي) "تلحين" أ.سيد درويش إلى (الدنيا خربانة والخلق تعبانة) "تلحيم" أحد النجوم الجاحدة.

نوع آخر من إنعدام الأخلاق هو ما أصبح يعرف اليوم بمصطلح "ركوب الموجة"، وكما قلت سابقاً (علمني العوم والنبي يا... )، بسم الله ما شاء الله عندنا في مصر "الراكيبة" مفيش أكتر منهم، كل يومين يطل علينا واحد من إيـّاهم يؤكد أن "روح" الثورة خرجت من البرنامج الذي كان أو مازال يقدمه، مع إنك لو دورت ودعبست عليه هتلاقي بالكتير أن "ريح" الثورة هي التي خرجت منه... وبس.



م / مصطفى الطبجي


الجمعة، 12 أغسطس 2011

قوتنا في قوة كل واخد


تعلمنا منذ الصغر أننا لا يجب أن نجادل الأحمق، لييييه؟؟ لأنه سيغلبنا دوماً بحجته، أينعم هي "حـُجة" أو "حِـجة" أي كلام، لكن في النهاية النتيجة الوحيدة بعد ما حل بنا من ضيق خلق أن رأس الأحمق قد إنشقت إلى نصفين زي الشمامة بسبب الكرسي اللي نزل فوق دماغه، أيضاً تعلمنا أن السفيـه عندما يتكلم فالرد عليه دوماً لا يكون بالصمت، إنما يكون بـ40 قلم على قفاه، لييييه؟؟... جايز يفوق من اللي هو فيه.

الأسوء من ذلك أن تجد ذلك الشخص قد حل ضيفاً في برنامج ما!! على الهواء مباشرة أو من الترعة اللي ورا البيت، مش مهم، المهم أنه بعدما بعثر أفكاره وأقواله على المشاهدين، ستكون النتجية الوحيدة هي تكسير التلفزيون على دماغ اللي جابوه برضه، لذلك من المسلم به أنه إذا تم إستضافة أباجورة أو رجل كنبة أو كيس بلح الشام في البرنامج بدلاً من هؤلاء الحمقى ستخرج الحلقة أكثر إفادة بالنسبة للمشاهد... واللهم إني صائم.

هذا هو المطلوب إثباته، بعض الأشخاص الذين يعيشون بيننا، والذين فرضوا أنفسهم على الوسط الثقافي والساحة الثورجية في مصر لا يختلفون كثيراً عن الجماد، بل إن بعض الأجسام الجامدة تكون لها فائدة ما، أما هؤلاء الدخلاء فكل فائدتهم أنهم يركبون الموجة، أو يتسلقون فوق أجساد الشهداء، أو يصرحون بتصريحات غوغاء دهماء، وفي النهاية عندما تواجههم بالتهم المنسوبة لهم تكون الإجابة "أنا أنفي كل هذه التهم"... طبعاً بعد اللعب قليلاً في المناخير... وسلملس على مناخيرك يا عمرو بيه.

يا حضرات، ليس معنى أن شركة مياة غازية "على واحدة ونص" أعلنت أنها تريد التغيير، أن تصبح تلك الشركة هي الراعي الرسمي والحصري للثورة، وليس معنى أن قوتنا في قوة كل "واخد"، أن إحدى شركات "المخمول" تصبح هي من أشعلت نيران الثورة، لأنه إن كان هذا صحيحاً لابد أن نعلم هو مين كان "واخد" إيه؟؟... وفييييييييين؟؟

وتكملة للمسلسل الهيستيري، فإن كانت تلك الشركتان تحملان الميداليتان البرونزية والفضية في إشعال الثورة، فإن من يحمل الميدالية الذهبية هو النادي الأهلي بدون منازع، هو نادي "الشياطين الحمر" كما يقال، يعني نادي شرير وبيحب يولعها، كما أنه كان المستفيد الوحيد من توقف الدوري وقتها، لذلك الأكيد والمؤكد والمضمون والموثوق فيه أن النادي الأهلي هو من كان يدعم الثورة، ويغذي الثورة المضادة في نفس الوقت، حتى يطيح بالزمالك، وقد كان له ما أراد.

 
 
م / مصطفى الطبجي


الأربعاء، 3 أغسطس 2011

اللي يعيش ياما يشوف

أنا سعيد، حقيقي، أنا سعييييييد جداً، فلأول مرة تجتمع الأسرة المصرية البسيطة على مشاهدة جلسة محاكمة طال إنتظارها للرئيس المخلوع، ومع أن الجلسة غير مفهوم معظم مصطلحاتها القانونية إلا أن تلك المصطلحات ضربت بعرض الحائط وتابع الجميع المحاكمة التي كان متوقعاً أن تكون مسرحية هزلية، تابعوها بدلاً من متابعة الحلقة الهامة من مسلسل نجم الجير.

خابت الظنون، وأقيمت جلسة عادلة تبشر بخير كثير وأحكام رادعة للمتهمين -تقريباً عشماوي مش هيلاحق على الشغل الفترة الجاية- لم يكن ينقصها إلا أن يقول القاضي"نلتقي بعد الفاصل" عند رفع الجلسة في كل مرة، كذلك هناك سؤال يطرح نفسه، لماذا لم يتم إذاعة أغنية "والله وعملوها الرجالة ورفعوا راس مصر بلدنا"؟؟ هل لأننا في رمضان، أم لأن الظباط الذين كانو يستقبلون المتهمين بحفاوة بالغة -كان ناقص يبوسوهم من بوقهم- منعوا إذاعة أي أغاني وطنية؟؟؟

الإعلام المصري تعامل مع إذاعة الجلسة بحرفية مقبولة، ومهارة معقولة، وتحيز تام للثورة، تلك الحرفية التي إفتقدها محاموا المدعين بالحق المدني، الذين كان كل منهم إذا "عكش" المايك يقوم بذكر إسمه كاملاً وإسم المنطقة التي بها مكتبه، وكان ينقصه فقط ذكر رقم موبايله الشخصي وهاتفه الأرضي ونوع سيارته حتى تأتي إليه القضايا واحدة تلو الأخرى، وزغرتي يا أمّــا إبنك بقى مشهور!!!

رغم وجود بعض السلبيات، إلا أنه في المجمل الجلسة كانت أكثر من رائعة، والقاضي كان أكثر من عادل ومتفهم، والمتهمين كانوا أكثر من مرعوبين بوجوه صفراء فيما عدى المتهم الرابع، اللي هو جمال مبارك، كانت تبدو في عينيه نظرات قوة، وعلى ما يبدو أن هذا الشاب -مش هو لسة شاب برضه- كان يتمتع بشخصية قوية مسيطرة، شوفتوا خطف المايك من أبوه إزاي؟؟؟

لعل أهم نتائج هذه الجلسة هو نقل الرئيس السابق إلى المستشفى العسكري، أيضاً من النتائج المهمة ما حدث لباقي أمثال المخلوع في الدول المختلفة، فهناك أنباء تواردت عن هرولة الجميع إلى الحمامات بعد الإصابة بنوبة إسهال عنيفة، بعدما رأوا أن صديقهم الوفي أصبح وراء قضبان القفص، واللي يعيش ياما يشوف...



م / مصطفى الطبجي

الاثنين، 1 أغسطس 2011

عندما تأخذ الثورة على قفاها


منذ الصغر وأنا أحلم بإمتلاك طائرة ورقية، دوماً ما كنت أرى تلك الطائرات تهفهف في الهواء، يتسابق أصحابها في التنافس اليومي من الصباح الباكر وحتى قبل الغروب، كلٌ يريد أن يطير طائرته أعلى، وأن يصنعها أكبر، وأن يلونها أفضل، وأن يكون ذيلها دائرياً أكثر، ومع أني أعلم كل شيء عن صناعة الطائرات -الورقية طبعاً- إلا أنني فشلت في صنع واحدة.

حتى عندما إشتريت طائرات ورقية جاهزة، تلك الطائرات التي تباع في المصايف التي دوماً ما كانت تتخذ شكل الخفاش، فشلت فشلاً ذريعاً في أن أجعلها تطير وتهفهف، مع إن الهوا كان يرد الروح إلا أنها ظلت قابعة بجواري على رمال الشاطئ، تضربها أمواج البحر المتلاحقة.

من يومها إنقطعت علاقتي بالطائرات، حتى لا أصاب بعقدة نفسية أرسل بسببها إلى العباسية، والجو هناك هذه الأيام ملبد بالشرطة العسكرية، إلا أنه منذ يومان وجدت طفلين يتجادلان جدالاً كبيراً، كلٌ يؤكد للآخر أن طائرته هي الأفضل، هي الأقوى، هي الأمتن في الهواء، هي الأكثر إستقراراً، مع العلم أنه أثناء الجدال سقطت كلتا الطائرتين منهما على الأرض لتدوسهما الأقدام.

على الفور تذكرت ذلك النقاش في أحد برامج (التوك شو) والذي كان يدور حول من نزل إلى الميدان أولاً ومن وقف صامداً؟؟ كان الضيفان المختلفان في وجهات النظر والمنتميان إلى جبهتان متعارضتان يذكران علامات وأمارات بطريقة صبيانية تؤكد نزولهم بصفة شخصية أو حزبية في الأيام الفارقة من عمر الثورة، هنا علمت أن الثورة لا ترجع إلى الخلف كما يقولون، بل إنها بتاخد على لا مؤاخذة... قفاها.

في الأيام الأولى من العهد الجديد -بعد سقوط الرئيس- كانت كل الأفواه والأبواق تتحدث عن كيفية تحقيق أهداف الثورة، إختلفت الطرق لكن إتحدت الأهداف والأفكار، الآن إختلفت الأهداف وتباعدت الأفكار وإنقسمت الأحزاب وسقطت الثورة من الجميع على الأرض لتدوسها أقدام الفلول.

المليونيات تحولت من ضغط على الحكومة إلى إظهار للعضلات، والميدان تحول من مكان للإعتصام إلى طريق للخصام، وهذا يعني أننا نستطيع أن نجعل من هذه الثورة أعجوبة العالم، ونحن أيضاً من نستطيع أن نجعلها أضحوكة العالم، وطيري يا طيارة طيري يا ورق وخيطان، بدي أرجع ثورة جديدة من أول رمضان، وكل سنة وإنتوا طيبيين.



م / مصطفى الطبجي

الجاسوس الجا*وس


لأننا شعب عنده أصل وفصل، لا يمكننا أبداً أن نتخلى عن عاداتنا اليومية، وكأن هناك "عِـشرة" ربانية بين المواطن المصري وبين عادات إبتكرها هو، تـوّطن شعور كبير بداخل كل منا أن المرء قد يخبطه أتوبيس نهري فاخر إذا لم يمارس ما تعوّد أن يمارسه كل يوم، وأهم الممارسات جميعاً هي الطوابير.

 في الصباح طابور الحمام يليه طابور العيش يليه طابور المواصلات يليه طابور المصعد -لو كان شغال أو موجود أساساً- يليه طابور دفتر الحضور والإنصراف، ثم تتعامل أنت شخصياً مع طابور المواطنين الواقفين أمامك، أضف إلى كل هذا طابوراً جديداً ألا وهو طابور أخذ المعونات من الجماعة دول –بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله الرحمن الرحيم الشر برة وبعيد- الجماعة الأمريكان، ويا طابور قولي رايح على فيييييين؟؟، يا طابور قولي، يا طابور قولي.

ولأن أخذ المعونة من شخص يضربني على قفايا منذ أكثر 30 عاماُ هو أسمى معاني الغباء الإجتماعي، والجهل السياسي، والتخلف الإقتصادي، كان من الطبيعي أن تنطبق علينا الحكمة المقدسة التي تقول (ضربني وبكى سبقني وإشتكى)، والحكمة هنا لا تنطبق على أخذ المعونات فقط، بل تمتد لتغطي من يفكرون في إجراء حوار ما لإرساء معاني البتنجان بدعوى أنها الديمقراطية المعملية الفذة... إوزنلي نصف كيلو لو سمحت.

الفرق بين الجاسوس والجاموس أن الأول يعلم أنه جاسوس، والثاني لا يعلم أن من يربطه في الساقية لا يكن له أي مشاعر رأفة، والفرق بين العميل والعبيط أن الأول يعلم أنه عميل، والثاني لا يعلم أن من يضربه على قفاه لا يكن له أي مشاعر إحترام، الفرق واضح لمن يريد أن يفكر ويفهم ويحلل ويستنتج، لكن يبدو أن عملية التخوين المتبادلة بين أشخاص "ملطوطين" حولت عقول البعض إلى طبق سلطة من غير ملح.

أسلوب التخوين الذي إرتفعت درجة حدته تماماً كإرتفاع درجات الحرارة هذه الأيام، وكعادة الحكومة في إنكار درجة الحرارة الحقيقية، ينكر الكثيرون التخوين المتبادل بحجة إن اللي على راسه بطحة، لا يعلم هؤلاء المتنافسون على البتنجان أن إستمرار هذا الأسلوب سيطير كل الرؤوس، ولن تعود هناك رأس ليتحسس صاحبها البطحة، لأنهم جميعاً وقعوا في الفخ... نعم... لقد وقعنا في الفخ... فخ إسمه الإنقسام، والإنقسام في جميع الأحوال يختلف عن إختلاف الآراء.

الإنقسام قد يتحول تدريجياً إلى إنتقام، وحتى لا أقع في الفخ أنا أيضاً، لابد ألا أنساق إلى نظرية الإجماع أو الشمولية، عند خلافي مع جهة ما أو حركة ما أو حزب ما لا يجب أن أجمع أن كل من ينتمون إلى ذلك الكيان يتصفون بنفس ذات الصفة... ما تتوصى يا عم في النصف كيلو اللي مش عاوز يخلص ده.



م / مصطفى الطبجي

الثورة في المنتصف / الكرة في الهدف


الثورةُ في المنتَصَف
فاتنةٌ في المنعطف
يرقبها شيخُ الشرطِ وشيخ العسسْ
يترصَّدها خُدامُ السيف المنسيِّ المقهورِ،
ووعاظ التلفِ في ورع السلفْ
الكل يعلم المشهد المترتب عن انفجار ماسورة مياه، سواء كانت الماسورة في منطقة شعبية مأهولة بالحُـفر والنـُقر، أو في منطقة هاي كلاس مأهولة بالأسفلت، النتيجة تقريبًا واحدة، المنطقة ستغرق في شبر مياه، هذا ما حدث للأسف، عندما انفجرت ماسورة الالتحاق بالحياة السياسية وكأنها إحدى كليات القمة، البعض عن وعي، والبعض الآخر على طريقة أحمر ومن غير بذر يا بطيخ.
لعل أهم أسباب الإلتحاق بهذه الكلية هي الطالبة المقيدة بالسنة الأولى، تلك الفتاة الجامدة جداً التي سماها أبوها وأمها "ثورة"، سرقت العقول، ليس عيباً فيها، أو سوء تصرف منها، أو تفاخر كاذب، لكنه حب السطو على كل كبيرة وصغيرة، والسطو هنا لا يكون من لصوص عاديين، بل إنهم في كثير من الأحيان يتخفون وراء زي إسلامي، أو إستبليازر عسكري، أو حمالات بدلة ليبرالية.

الثورةُ في المنتَصَف
تحسدُها عاهرةُ السوقِ ترمي بالشررِ
المنتنِ، تزرعُ في وجهتِها آلاف الصدف
يدعوها من مكمنهم أوشاب السوق، وقوادو المخلوع الخرفْ
ما يميز الإنسان عن الحمار، أن له عقلا، - أنا أقصد الإنسان-، ما يميز الإنسان عن القرد، أنه يتكلم، - أنا أقصد الإنسان-، ما يميز الإنسان عن البغبغاء، أنه يفكر، - أنا أقصد الإنسان-.
عندما أجد شخصاً كل الحقائق مكشوفة أمامه، ومع ذلك يسلم عقله لقوى خارجية تتدعي أنها تحب الثورة، أنها تشجع على الديمقراطية، أنها تنفق ببذخ لترسيخ قواعد المهلبية، أنها توعي شعباً هو أكثر ما يبعد عن الجاهلية، سأعلم أني كنت مخطئاً في قصدي، مخطئاً في قصدي، مخطئاً في قصدي.... إحنا آسفين يا حمار.

الثورةُ في المنتَصَف
يتحينُ تعب خطاها جياعو القلب، وموثوقو الروح
بحبلٍ من شظفْ
الثورةُ في المنتَصَف
يتوعدها أرتالُ لحىً ما تعرف
صدفًا من خزفٍ من سعف
الثورةُ في المنتَصَف
يهواها، يخشاها، يأباها
أرباب الخسة أكالو الجيف
الفلول، إسم لم نكن نعرفه قبل ثورة 25 يناير، مصطلح ظهر فجأة وأعلن عن نفسه بشدة بعد أن أحرز عدة أهداف في مرمى الثورة، بالمناسبة فلول جمع فلة، وفلة تعني الجزء المتبقي الصغير، أي أن الفلول في جمعهم ليسوا إلا فئة قليلة، يعني أولهم عن أخرهم شاكب راكب لن يكملوا حاجات بسيطة كده، مع ذلك تأثيرهم في المجتمع المصري الآن ولا تأثير ناجي جدو في كأس الأمم 2010، أهداف في أوقات قاتلة، كل يوم عمليات بلطجة، وزعزعة استقرار، وحاجة تجيب الضغط الصراحة.
الهدف الأساسي معروف، هم يريدون عودة النظام السابق، يريدون الفتك بالثورة، حتى يعودوا للعب مرة أخرى في مركز المهاجم خط وسط المدافع، يحرزوا الأهداف، ويحصلوا على الألقاب، ويجمعوا الأموال... ولا عزاء لحراس مرمى الثورة، سيتوجب عليهم عمل مباراة إعتزال.

الثورةُ في المنتَصَف
سهم لك أيهذا الهدف
إذا قدر لي الوصف، فأنا أتخيل الثورة الآن كحيوان مفترس، سينقض على أعدائه ليفتك بهم فوراً، ليس لأنه حاد الطباع، أو عنيف المزاج، أو مخرب مثيير للفوضى، بل لأنه يبحث عن حقه الطبيعي، حقه الذي سلب منه أعواماً طوال، مع ذلك ظل ينتظر كثيرا، ظل يعطي لأعدائه عدة فرص ليتراجعوا عن منطقة نفوذه، لكن يبدو أن الغباء السياسي مازال يسيطر على تفكير البعض، ذنبهم على جنبهم، إحترسوا من الفك المفترس.


أحمد سراج & مصطفى الطبجي