الخميس، 4 نوفمبر 2010

عجينة أم أحمد


صوت الشجار كان عالياً، أو بمعنى أصح صوت الأشخاص الذين كانوا يتشاجرون أمام بوابة المنزل كان عالياً، فلقد كنت أستمع إلى جميع كلماتهم و كأني مشترك معهم في ذلك الحوار الغير عـفيف و الملئ بالسخافة و التفاهة و ألفاظ خارجة لعن الله من إبتكرها، سبب هذا الشجار العنيف أن كل شخص يريد أن يوقف سيارته في نفس المكان الذي يريد الشخص الآخر إيقاف سيارته فيه، و كأن مشاكل العالم كلها قد حلت و لم تعد هناك سوى هذه المشكلة، كأن أي منهم لم تؤثر فيه الظروف الإقتصادية و الأحوال العجيبة و الأمور المعكوسة التي نمر بها، كأن عقل كل منهم قد توقف تماماً عن العمل بسبب عطل مفاجئي أو عطل متعمد أو أنه منتهي الصلاحية منذ مدة بعيدة، مع أنه لو حاول أي منهم تشغيل عقله كما فعل طفلي لإنحلت الأزمة، طفلي الذي بلغ عامه الأول إستطاع البوم أن يجد حلاً لمشكلة واجهته، فعلى السرير لمح شيئاً ما، شيئاً لا أتذكره حالياً، شيئاً أراده بشدة، حاول الصعود إلى السرير لكنه كان عالياً عليه جداً، حاول مراراً و تكراراً، فشل لكنه لم ييأس، إتجه مباشرة إلى الكرسي الموجود بجوار السرير، حاول الصعود فوقه، مرة إثنان ثلاثة و نجح في الرابعة، و من الكرسي إنطلق كالصقر نحو هدفه، أمسكه فرحاً و هو ينظر لنا في عينه علامات النصر، نظرت له و أنا تتملكني الدهشة، فهذه أول مرة أرى فيها سيدة تقود سيارة كبيرة الحجم كهذه، قناعتي الشخصية أن النساء لا يستطعن قيادة السيارات عموماً، و إذا لزم الأمر و إضطرتها الظروف فمن الأفضل أن تكون سيارة صغيرة الحجم رخيصة الثمن حتى لا تكون الخسارة كبيرة الحجم، لكن أن تقود سيارة في حجم الميكروباص فهذا لم يصدقه عقلي رغم أن رأته عيناي " اللي هتاكلهم الدود "، حاولت إقناع نفسي أن ما آراه حقيقة و ليست هلاوس من آثار " دور البرد " الذي هاجمني كأسد شرس منذ أيام قليلة، فرغم كمية الأدوية المختلفة التي تناولتها إلا أن تأثيره ظل يتغلب علي يوم بعد يوم، من مضاد حيوي إلى خافض حرارة إلى إلى إلى، تغير المناخ بالتأكيد هو السبب فكل يوم في حال و كل ساعة بشكل و كل دقيقة بلون، لذلك كانت القاعدة الذهبية، لا أصدق ما يقال من مذيع النشرة الجوية، تماماً كما لا أصدق ما يقال من الأشخاص المهاجرين و الذين لم تتطأ أقدامهم أرض الوطن منذ أكثر من عشرين أو ثلاثين عاماً، أجدهم يتكلمون في البرامج عن عظمة هذه البلد، عن الذكريات، عن الأمجاد، عن الإنتخابات، عن التزوير، عن حق التصويت، عن الإنتماء، عن الحب، عن العطاء، عن حق المواطن، عن الوفاء، لماذا إذا لا تأتون؟ لماذا تركتم الجمل بما حمل و إنصرفتم بعيداً؟ أم أن حب الوطن أصبح بالشعارات فقط " و من بعيد لبعيد "، أرى في وجوههم كلام زائف، إنها تلك الصحف التي من المفترض أن تكون معارضة، أو خاصة، أو حيادية، أو أي مسمى تحب أن يطلق عليها، إنها تلك الصحف التي من المفترض أن تقول " للأعور إنت أعور في عينه "، لكنها و للأسف تخفي حقيقتها لتدس السم في العسل، لتوجهك إلى ما تريده منك أن تكون مقتنع به، و ليس إلى الحقيقة، الحقيقة التي أن متأكد منها أن العنف في المدارس يتطور يوم بعد يوم، و كأننا في سباق مع الزمن، كل يريد أن يثبت أنه الأعنف، و أنه الأحق بأن يكون إسمه في صدارة العناوين، وكل ما فطنت إليه العقول هو منع دخول الهواتف المحمولة إلى المدارس، كأن عدم دخولها سيكون هو الحل النهائي لتلك الكوارث، و المنع بالمنع يذكر فإن أفضل الحلول هي منع دخول الطلاب إلى المدارس، و منع المدرسين كذلك، و الناظر و الوكيل، فناظر محطة القطار لا أدري بالتحديد ما هي طبيعة عمله، عندما سافر أحد أصدقائي إلى ألمانيا أخبرني أنه عندما دخل إلى محطة القطار لم يجد أحداً، حتى موظف التذاكر لم يكن موجوداً، كل شئ بالكومبيوتر، قطع التذكرة و تحديد رقم الرصيف و الموعد، لا توجد بطالة مقنعة كما هو الحال مع عامل " الكارتة " الذي يجلس داخل " كشك " متهالك على أول الطرق الزراعية ليعطي لسائقي الميكروباص تذكرة تحديد مسار " تقولش تحديد مسار الدراسة في الدراسات العليا يا خي "، وظيفة لا طائل منها سوى تقليل نسبة البطالة التي إرتفعت عن نسبة الراسبين في الثانوية العامة التي تغيرت أحوالها من عام إلى عام لتصبح سلطة بلدي و من غير ملح، هذا إن كان الملح سليم و صالح للإستهلاك الآدمي كالقمح المستورد الملئ بكل ما لذ و طاب من مضرات لصحة الحيوان قبل الإنسان، لكن المعدة هنا تعودت على هرس الزلط، فالمبيدات المسرطنة و الطعام المسرطن لم يؤثر إلا على نسبة ضئيلة من أفراد الشعب و الباقي مستمر في هرس الزلط، لذلك تتساقط العمارات بعد بنائها بشهر واحد على " دماغ اللي ساكنينها "، التصريحات الأولية تأكد عدم وجود زلط، و لم يتكلم أحد عن الأسمنت المغشوش، و تجاهل البعض متعمداً الأراء التي تؤكد أنه لم يتم البناء بإستخدام الأسمنت بل بإستخدام عجينة أم أحمد لصناعة الكحك البلدي.


بقلم م / مصطفى الطبجي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق