السبت، 13 نوفمبر 2010

الشلوحة ... الفشلقة ... الفلشحة


لكسر الشعور بالكسل و محاولة كسب بعض النشاط و لو لفترة مؤقتة فكرت في أن أتمشى قليلاً، عسى أن أستطيع أن أتغلب على ذلك " الكرش " الذي بدأ في الظهور نتيجة الجلوس المستمر مع ذلك المخلوق المعروف بإسم الفايس بوك، مررت على مجموعة من الشباب المتمركز على أحد النواصي، بدى من الوهلة الأولى أنهم طلبة في مرحلة الثانوية العامة قد خرجوا تواً من أحد مراكز الدروس الخصوصية و التي أصبحت منتشرة هذه الأيام في الحواري و الطرقات أكثر من إنتشارمراكز الإتصالات و مقاهي الإنترنت، فطنت بعبقريتي الفذة إلى تلك الحقائق البالغة السرية بسبب حجم المذكرات التي كانوا يحملونها و التي كانت تقارب حجم البطيخ السعودي المستطيل الشكل، و ذلك العبوس الواضح على وجوههم و الذي لم تستطع تلك الإبتسامات و الضحكات أن تخفيه و كأنهم يحملون هم الدنيا كلها، و تلك النظرات السريعة إلى الساعة خوفاً من التأخير في العودة إلى منازلهم حتى لا يتم تـنـسيل الشبشب على أم أدمغتهم.
كل ما سبق لم يلفت إنتباهي، فكلها عام أو إثنين و سوف يهجروا هذه المرحلة لينتقلوا إلى مرحلة أخرى أكثر بشاشة و دلع و روقان بال، و تصبح الثانوية العامة مجرد ذكريات عابرة في شريط الحياة، حقيقة ما لفت إنتباهي هو الحوار الدائر بين هؤلاء المغاوير، أحدهم يقول للآخر " لو ماعملناش الواجب المرة الجاية كمان الأستاذ هيشلوحنا " فرد عليه الآخر " يشلوحنا ده إيه، قول هيـفـشلقنا، هيـفلشحنا .... ربنا يستر "، علمت بنفس العبقرية الفذة من ذلك الحوار البناء أن هناك فرق كبير بين " الشلوحة " و " الفشلقة " و " الفلشحة "، و جميعها أفعال مخلة بالذكاء البشري، و محبطة للحضارة اللغوية، لم أقف كثيراً عند معاني هذه الكلمات، فالكثرة تغلب الشجاعة و مهما كنت عبقرياً لن أستطيع نرجمة ثلاث مصطلحات فضائية دفعة واحدة.
أكملت سيري و أنا أفكر في أمر واحد، من هو صاحب التفكير " المتكلف " و " المتكيف " الذي إستطاع إختراع كلمات كهذه؟ كيف تكونت له الجرأة على تجميع مجموعة من الحروف على هذه الشاكلة و بهذا الترتيب لتصبح كلمة فراغية مدلولها معروف، و ذو تأثير مخيف في نفوس الطلبة، تأثير جعلهم يفكرون ألف مرة قبل عدم عمل الواجب المطلوب منهم، ما الذي كان يفكر فيه مخترح هذه الألفاظ الهدامة؟ ما الذي كان يطمح إليه؟.
الكثيرون يتكلمون عن اللهجة العامية و أنها تأثر بالسلب على جمال اللغة العربية الفصحى، لكن حتى اللهجة العامية على إختلافها من منطقة لأخرى و من بيئة لأخرى فكلماتها تحريف لبعض الكلمات الفصحى، تحريف في النطق أدى إلى تحريف في الكتابة، لكن كلمة من " الفلشحة " من ماذا إقتبست؟ و كيف حرفت؟ أعرف أنها مدامت تنطق " فلشحة " بتسكين حرف اللام إذا فلشح يفلشح فلشوحاً، هكذا تعلمنا منذ الصغر عندما حصص اللغة العربية هي المفضلة لنا.
أتخيل الآن شاباً جالساً تحت أحد الكباري، في يده اليمنى سيجارة ملفوفة، و في يده اليسرى ورقة من كتاب اللغة العربية يستعد لكي يلفها لتصبح سيجارة محشية، بعد عدة أنفاس داخلة و خارجة يتفتق عقله الألمعي عن مفردات جديدة يمكن إدخالها على اللغة العربية، لتعويض النقص الواضح في مفاهيم اللغة، كأن الكوفي و سيـبـويه و بديع الزمان و الأزهري و الأصمعي و غيرهم من علماء اللغة لم يستطيعوا إثراء اللغة، و تمكن بجلالته من تحت الكوبري إضافة معاني خلابة، معاني جذابة، مفاني تروح و ماتجيش، معاني ستحير العلماء كثيراً في الوصول إلى إعراب خاص بها تماماً كما إحتار علماء اللغة في إعراب كلمة " زوج ".
الغريب أن كلمات كهذه إنـتـشـرت كإنـتـشار الحمام لحظة إصطياده، إنتشرت في كل إتجاه، و بأقصى سرعة، كأن الممنوع مرغوب، أو كأن هؤلاء الشباب وجدوا أنفسهم في قول الكلمات الغريبة و العجيبة و المريبة و التي تميزهم عن الآخرين من هم أكبر منهم سناً، هو إعلان عن الذات إذاً و عملاً بالمقولة خالف تعرف و إتـشلوح و إجري يا رمان و تعال على حجري يا رمان.


بقلم م / مصطفى الطبجي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق