الخميس، 11 نوفمبر 2010

صديق آخر


كنت في مكتبي المتواضع أتابع سير العمل عندما إتصل بي والدي، أخبرني أنهم لن يعودوا الليلة كما كان متفق عليه، بل سيبيتون عند خالي بالقاهرة يوم و قد يمتد الأمر إلى يومين، خالي يريد أن يحتفل بهم على طريقته الخاصة بعد أن حصلت أختي الصغرى على المركز الأول على الجمهورية في الثانوية العامة، لم يكتفي خالي بحفل التكريم الذي أقامته الوزارة لأوائل الثانوية العامة، هو يريد أن يحتفل على طريقته، على حريته، بإبنة أخته و التي إعتبرها دائماً كإبنته، كما أن والداي إنتهزاها فرصة للتغيـيـر.
رغم أني ما زالت طالباً في المرحلة الجامعية إلا أنني إفتتحت مركزاً خاصاً بي لخدمات الحاسب الآلي و الإنترنت، كما كنت أحلم و أريد فهو لم يكن كأي من المراكز الأخرى المنتشرة في أبيار السلالم و التي يديـرها أطفال يجهلون كيفية نسخ ملف من مكان لآخر، كنت أحلم أن يكون مركزاً متكاملاً، أن يكون وجهة لكل باحث من هؤلاء الذين يعدون رسالات الماجستير أو الدكتوراة مهما إختلف التخصص، أن يكون تعاملي مع صفوة الصفوة، و قد كان، عمل متعب و مرهق يحتاق دقة في المواعيد و في كل كبير ة و صغيرة، لكن العائد المادي كان مجزي.
لا أدري لماذا كنت فرحاً عندما أخبرني والدي أنهم لن يعودوا الليلة، راودني إحساس كبير بالحرية، مع أني لم أكن مكبوتاً في يوم من الأيام، بل كنت أفعل ما أريد وقتما أريد، تربيت على هذا، لكنهل في نفس الوقت حرية مقيدة إلى حد ما، حرية قيدها ضميري رغما ً عني، فأنا أعلم جيداً أن والدي لن يمانع و لن يثور إذا رجعت المنزل " وش الصبح "، لديه ثقة كبيرة في، لكنه في نفس الوقت لن ترى عينه النوم قبل أن يطمئن على عودتي، فقط ليطمئن، لذلك دائماً ما كان يؤنبني ضميري إذا فكرت بالسهر مع أصدقائي خارج المنزل، ما ذنب هذا الرجل أن يبقى مستيقظاً في إنتظاري و لديه عمله في الصباح.
بنفس هذا المنطق تفوقت في دراستي، ليس تفوقاً خيالي، لكنه معقول، حيث أني لم أحب الأجواء الدراسية، طوال عمري أعشق الحياة العملية، أرى أنها المعلم الوحيد الصحيح المتجدد في هذا العالم المليئ بالمفاجأت، لم أستطع أبداً أن أستوعب ما يتم تلقينه و تحفيظه لنا من معلومات عفى عليها الدهر، لكنه ما كان يفرضه علي ضميري فقط لأرضي والداي، لكن كان أمامي هدف آخر، مشروع خاص بي، حلم أصررت على تحقيقه و قد كان، مركزاً لخدمات الحاسب الآلي و الإنترنت.
أنهيت عملي بعد المكالمة بأسرع ما يكون، لا أدري ما سر كل تلك اللهفة التي كانت تتملكني، كنت كالشاب المراهق الذاهب للقاء حبـيـبته التي سيراها لأول مرة، أو كالعائد من سفر بعيد و متلهف للقاء أهله، أو كالطفل الصغير الذي يتلهف عودة أبيه بعد أن أخبره أنه ذاهب لشراء لعبة جديدة له، أو كالمنتظر لنتيجة الإنتخابات متلهف سماع خبر نجاحه و دخوله المجلس، أطفئت الأنوار و أغلقت المكتب، هرولت إلى سيارتي بخطى سريعة، أحاول فتح باب السيارة لكن من كثرة التوتر لا أستطيع، أحاول تمالك نفسي، دخلت إلى السيارة، أخيراً يمكنني السهر حتى الصباح الباكر بدون أن أشعر أني أسبب مشكلة أي نوع.
جلست في السيارة أنظر إلى نفسي في المرآة، نظرت طويلاً جداً، لم أتحرك من مكاني، لم أنطلق كما كنت أحلم، لم أسارع الوقت أتمنى أن أسبقه، في وسط فرحتي بأني سأكون حراً الليلة نسيت أني لا يوجد لي أصدقاء يمكنني السهر معهم، ففي زحمة دراستي في الكلية و عملي في المكتب إنقطعت علاقتي بالحياة الخارجية، نسيني أصدقائي أو تناسوني بعد سيل الإعتذارات التي كنت ألقيها عليهم لعدم تمكني من السهر معهم أو حتى السفر لأي مكان، أحببت عملي و إعتبرت نجاحه هو صديقي الوحيد، و لم أتوقع أني في يوم من الأيام سوف أحتاج لصديق آخر.


بقلم م / مصطفى الطبجي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق