السبت، 16 أبريل 2011

و ظللت مبتسماً


نظر لي ذلك الظابط برتبة النقيب بدون أن يتكلم، جالساً هو على كرسيه و من أمامه ذلك المكتب المتوسط الحجم، و أمام ذلك المكتب جلست أنا، تتشكل على وجهه علامات التعجب، أعتقد أنه في قرارة نفسه يظن أني مجنون، أو أن ما حدث معي منذ قرابة الساعة جعل عقلي يعمل بطريقة تختلف عن باقي العقول الحـيـّة.

رن هاتفي المحمول بتلك النغمة التي خصصتها من أجلها، من أجلها هي فقط، طرت فرحاً إليه، تلقفته بين أصابعي بلهفة، وضعته على أذني و إستمعت إلى صوتها الذي وقتها بالنسبة لي يشبه صوت عصافير الجنة، قالت لي "كتابك يا أستاذ مصطفى خلاص إتوزع على المكتبات، و الجميل إن فيه إقبال عليه، واضح إن الدعاية اللي إحنا عملناها كانت ناجحة"، تلك الكلمات المختصرة قالتها لي مسؤولة التوزيع بتلك الدار التي صدر عنها كتابي الأخير "فيش و تشبيه".

بدأت أتصفح المواقع الإلكترونية للجرائد، لا يهم إن كانت جرائد قومية أو معارضة، فالكل بعد الثورة أصبح متشابه، بحثت عن أي موضوع أو مقال يتكلم عن الكتاب، وجدته، ثم وجدت موضوعاً آخر، ثم موضوعاً ثالث، طرت فرحاً، و أنا أرى الكتاب يعجب به النقاد قبل القراء.

حذرني صاحب دار النشر من أن البعض قد يستغل نجاح أحد الكتب و يقوم بسرقته، حتى الكتب الآن تسرق لتغرق الأسواق بعدها بنسخة "فشنك"!!!، كانت الفكرة غريبة علي، فأنا سمعت كثيراً عن حرامي فقير، أو حرامي مضطر، أو حرامي مريض، أو حتى حرامي غني، لكن لم أسمع من قبل عن حرامي مثقف.

إستلمت أخيراً النسخ المجانية الخاصة بس، أعلم على من سأوزعها، أعلم من يستحق أن يكون له إهداء مني، لأني أعلم من هو فعلاً مقرب مني، من هو فعلاً صديقي، و من يدعي ذلك، وضعت النسخ المجانية جميعاً في السيارة و بدأت ألف فرحاً على أصدقائي، كنت أشعر وقتها أن حدود السماء لا تغطي سقف سعادتي.

سألني الظابط عن من أعتقد أنه قد يكون له يد في سرقة سيارتي؟؟، قلت له لا أعلم، أنا ليس لي أعداء، حقيقة لا أعلم، كل ما أعلمه أني عندما نزلت من عند أحد أصدقائي وجدت زجاج السيارة مكسور، و مسروق منها بعض الأشياء، قلت في نفسي الحمد لله أنهم لم يسرقوا السيارة نفسها.

بعد أن طال تعجبه سألني الظابط الموجود بقسم الشرطة و الذي كنت أسجل عنده محضراً بسرقة السيارة "لماذا أراك مبتسماً؟؟ أنا أول شخص يسرق منه شيء و يأتي ليبلغ عنه و هو مبستم"، قلت له ببساطة "أن من سرق النسخ المجانية من السيارة يعرف قيمتها، يعرف قيمتها جيداً، هو لم يلتفت إلى ذلك التسجيل الباهظ الثمن، أو حتى إلى هاتفي المحمول الذي نسيته في السيارة سهواً، فقط إهتم بكتابي، و هذا بالنسبة لي شيء أفخر به، لا أزعل منه"، أنهيت كلامي و ظللت مبتسماً، و ظل هو متعجباً.



بقلم م / مصطفى الطبجي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق