الثلاثاء، 12 أبريل 2011

رد الجميل


بعد الإنفلات الأمني الذي حدث يوم 28 يناير، وبعد نوبة الخوف الهيستيرية التي انتابت الجميع، و بعد تعدد الإشاعات عن عمليات هجوم وهمية على السكان في المنازل فكرت وقتها في تقليل عدد دخول الغرباء إلى منزلي، وكان أهم هؤلاء الغرباء وأخطرهم في نفس الوقت هم قراء عدادات المياة والكهرباء والغاز، ذلك أنهم يتغيرون بإستمرار ولم نعد نعلم من هو القاريء حقاً ومن هو المدعي بذلك.

المهم أنه ومنذ ذلك اليوم أصبحت أكتب قراءات العدادات المختلفة في ورقة وأعلقها أمام المنزل، بذلك لم يعد للقاريء حجة يدخل بها المنزل، في نفس الوقت وفرت عليه الوقت والمجهود.

في أول الأمر كانت الورقة مكتوبة بخط اليد، أنتزع النظام منها كنتيجة لعدم الإهتمام، فكل ما كنت أريده هو منع الغرباء من الدخول، مرة بعد مرة زاد إهتمامي بتلك القراءات، تغير الهدف من ورائها، تغير شكل الورقة، مـثـَّـل النظام أهم أعمدتها.

في أول الشهر الحالي كنت أعلق القراءات الجديدة، أصبح لدي حماس شديد على فعل ذلك كل أول شهر، أشعر أني بشكل أو بآخر أساعد شخصاً ما لا أعرفه إطلاقاً، قبل أن أنزع الورقة القديمة وجدت كلمة واحدة مكتوبة عليها ولكن مكررة ثلاث مرات، قارئ الكهرباء كتب لي "شكراً"، وقارئ المياة كتب لي "شكراً"، وقارئ الغاز كتب لي "شكراً"، كل أمام قراءته.

أصابتني فرحة عارمة، إحساس كبير بأن هناك تغيرات حدثت بالفعل في التركيبة التصرفاتية للكائن المصري، تغيرات للأفضل، شخص قرر خدمة أشخاص لا يعرفهم، و أشخاص قرروا توجيه شكر لشخص لا يعرفونه، بدون وجود أي مصالح شخصية، ولا طلبات فئوية، ولا قرشين من تحت الطرابيزة.

فكرت كثيراً في كيفية رد الجميل، كيف يكون الرد على نفس المستوى، فكرت كثيراً ولم أصل لنتيجة، توقفت عن التفكير مع إيماني التام بأن الطريقة المثلى ستجد طريقها إليّ وحدها دون أن أبحث عنها.

في طريقي للعمل تعطلت سيارتي، هي عادة أصيلة بها، تتعطل كلما كنت متأخراً، هذه المرة تعطلت في منتصف الطريق، و أبت أن تتحرك من مكانها، في أول الأمر إعتقدت أنها معتصمة في منتصف الطريق إحتجاجاً على أمر ما، أو على قانون المرور الجديد، أو على أني فكرت في تغييرها، لا أعلم، المهم أنها توقفت مسببة الكثير من الفوضى خلفها من سيارات تريد العبور.

لا أدري من أين ظهر، ومتى ظهر، لا أدري هل نزل من السماء أو إنشقت الأرض عنه، كل ما أعلمه أنه كان واقفاً هناك بطوله الفارع وهيئته المهيبة ينظم السيارات يفض ما حدث من فوضى، لم أميز عدد النجوم الموجودة على كتفه، فأنا لست عالماً بالترتيب العسكري، لكنه كان ظابط شرطة، هذا ما أعرفه.

في سرعة و مهارة نظم سير السيارات، إلتفت إلى  وعلى وجهه شبح إبتسامه، بمنتهى البساطة دفع معي السيارة إلى جانب الطريق، ثم تركني وإبتعد، لم ينتظر كلمة شكر، رفعت صوتي عالياً شاكراً له ما صنع، أشار لي بيده وكأنه يخبرني أنه لم يؤدي سوى واجبه، نظرت له وهو يبتعد، نظرت له و أنا أشعر أني رددت الجميل أخيراً.


بقلم م / مصطفى الطبجي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق