الأحد، 24 أبريل 2011

سجن الذكريات


الغرفة كانت واسعة، لكنها لم تحتوي على أثاث كثير، فقط كرسيان كل منهما يواجه الآخر، كل منهما في إحدى أركان الغرفة، يشبهان إلى درجة كبيرة بطلي الملاكمة عندما إنتهى وقت الراحة لتبدأ جولة جديدة عسى أن تنتهي بفوز أحدهما.

مع أن الظلام كان هو الصفة السائدة إلا أن كل منهما كان يرى الآخر بمنتهى الوضوح، أنا لا أتحدث عن الكراسي هنا، بل أتحدث عن الجالسين فوق الكرسيين، في الركن الأول جلست "فادية" ترتدي زيها الأزرق، و تلك القبعة الزرقاء على رأسها، و في الركن الثاني جلس "جافريلو" يرتدي الجاكيت الغامق اللون، و شنبه المحدد يميز وجهه.

طالت النظرات، لم تكن هناك حاجة إلى الحديث، فالواقع الذي عاشوه و الذي كانوا سبباً مباشراً لحدوثه أبلغ من أي حروف يمكن أن تخرج من الأفواه، لذلك كان الصمت هو الصفة الثانية السائدة في الغرفة، مع ذلك لم يكن للهدوء وجود.

إستندت "فادية" بظهرها على الكرسي رافعة عينها إلى السماء التي تخيلت أنها تراها من وراء سقف الغرفة، تتذكر ما حدث في ذلك اليوم، لم يكن أفضل أيام حياتها، و ربما كان الأسوء، لم تكن تتخيل أن صفعها لشاب و مصادرة العربة التي يبيع عليها الخضروات ستحول ذلك اليوم العادي إلى ثورة تهز أركان البلاد.

نظر لها "جافريلو" نظرة تحتوي على كثير من المشاعر المتناقضة، نظرة إحتوت على الشماتة بقدر ما إحتوت على الغيرة، فإذا كانت هي بتصرف واحد أشعلت فتيل الثورة في إحدى الدول العربية لتنتقل بدورها إلى عدة بلدان عربية، كان هو بتصرف واحد أشعل فتيل الحرب العالمية الأولى بين دولتين لتنتقل الحرب إلى عدة دول ذلك عندما قام بإغتيال ولي عهد النمسا.

تبادل النظرات كان هو الحوار الوحيد المتوافر في الغرفة، مع أن كل منهما يتلكم بلغة غير التي يتكلم بها الآخر إلا أنهما كانا يفهمان بعضهما جيداً، هو كان ينتمي لعصابة غير رسمية تسمى (الأيدي السوداء)، و هي كانت تنتمي لعصابة رسمية تسمى (جهاز الشرطة).

أحست "فادية" أن هواء الغرفة أصبح ثقيلاً عليها، تمنت لو إستطاعت الخروج من هذه الغرفة، لكنها إكتشفت أن الغرفة لم يكن بابٌ و لا شباك، إنه سجن الذكريات، لا مفر منه، و لا هروب.

لكسر الشعور باليأس و في محاولة للبحث عن مخرج بدأت "فادية" في تبرير ما حدث، في تجميله، حتى لا تقارن بذلك القاتل، هي حصلت على البراءة مؤخراً من صفع "محمد بو عزيزي"، إنما "جافريلو" لم يحصل على البراءة عندما قتل "فرانز فرديناند"و زوجته أثناء زيارتهما لسراييفو.

نظر لها ضاحكاً، البراءة لن تغير في الأمر شيئاً، في كلا الحالتين سيظل العالم يتذكرها على أنها السبب الرئيسي في قيام ثورة الياسمين، التي أشعلت بدورها الثورات في ثمان دول عربية، أخبرته منكسرة أن العزاء الوحيد لها أن هذه الثورات على إختلافها ستكون سبباً في مجتمع عربي أفضل.



بقلم م / مصطفى الطبجي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق