الاثنين، 10 يناير 2011

التوقيت المحلي ( مستوحاة من قصة حقيقية )

طبـقاً لمواعيـد ساعات العمل فإن هذا اليـوم قد إنـتـهى، و الرجوع إلى دفئ المنـزل و الأسـرة هو أول المتطلبات ..... و آخرها، ركبت عربة المتـرو و جلست على أول مقعد يـقابـلني، أو بمعنى أدق إرتميـت عليه، فطبـقاً للساعة البـيـولوجيـة فإن اليوم كان يوماً منهكاً جـداً.
طبـقاً للتوقيـت المحلي لتلك المدينة العريـقة فإننا مازلنا في منتصف اليوم، الساعة  مازالت تـشيـر إلى السابعة مساءً، و إن كنت أنا قد إنـتـهيـت من هـذا اليـوم بحـلوه و مره، لكن هناك آخرون قـد إبتدى يـومهم ليـنـتهي وقت ما يحـلـو له و لهم.
بعيـن نصف مفتـوحـة من كثرة الإرهاق، و عقل نصف مشوش من كثرة التفكيـر و جسد نصف جالس من كثرة الزحام رأيته، كان واقفاً أمامي، شاباً في أواخـر العشرينات أو أوائل الثـلاثيـنـات، منظره يـؤكد أنه نزل من بيـته للتـو، شعـره مازال لامعاً من ذلك " الجيل " الذي يغرقه، في كل حركة من حركاته تـشتـم رائحة النـشاط و الحيـويـة، العطر الذي يـستخدمه مازال فواحاً، حذائه مازال لامعاً .... للغاية.
كل ما سبق كان طبـيـعيـاً، لذلك قمت بـمحاولتـيـن، الأولى أن أتجاهله و الثانية أن أخـطف نـوماً سريعاً حتى أصل لمحطتي في آخـر خط المتـرو، المؤسف أني فشلت، فضول عقلي منعني من التجاهل، و ضجيـج الركاب منعني من النوم.
يـقـف واضعاً يديه الإثـنـيـن في جيـوب بنطاله الجـيـنـز الواضح أنه جديـد، إصبـعي الإبهام هما فقط اللذان خـرجـا من ذلك الجـيـب، كأنها علامة من إحدى علامات " الروشنة "!!! لمدة ثواني ظل واقفاً بلا حراك، ثم بـدأ و ليـتـه لم يـبـدأ.
في أول الأمر كنت أعتقد أنه ينظر أمامه من باب اللياقة، فلا يجـوز أن ينظر إلى الجالسين و كأنه يحسدهم، إلا أنه في الحقيقة كان ينظر إلى زجاج عربة المترو الذي يعمل داخل النفـق كمرآة، مرآة تصلح لأن يلامس أطراف شعره ليساوي و يعـدل ما يمكن تعديله.
بـدأ في إظهار طرف التي شيـرت الأبـيـض الذي يرتديه من أسفل السويـتـر الأسود، أسقط البنطال قليـلاً، فقط ليـتـنـاسب مع المظهـر العام الذي يوحي بأنه ذاهب لمقابلة بعض الأصدقاء أو دخول أحد السينمات أو أي شيئ ترفيهي آخـر، الأكيـد أنه ليـس مديـر أمن المحطة أو وزير الأسفـلت أو رئيس شركة الطيور المهاجرة.
إستـمر في التحديق في زجاج العربة، الآن بـدأ في تعديل وضع التي شيرت، فلقد لاحظ أنه توجد به بعض الكسرات الطبـيعية الناتجة عن حركته المستمرة، في رأيي أنها لن تؤثر على جمال ذلك المشهد الخلاب، لكنه كان يرفض حتى تلك الكسرات، بدأ في تعديلها لتظهر تلك الساعة التي تلتف حول معصم يده اليسرى، يبدو أنها ساعة غالية الثمن.
لا أدري لماذا هو بالذات من وقف أمامي، و لماذا هو بالذات من لفت إنتباهي لهذه الدرجة، و لماذا هو بالذات من أردت سؤاله إلى أين هو متجه، و ماذا يعمل، خصوصاً بعدما وجدته يـجـري فور نزوله معي من عربة المترو، إلا أن الظابط و امناء الشرطة تمكنوا من القبـض عليـه ..... بتهمة مازلت لا أعلمها حتى الآن.




بقلم م / مصطفى الطبـجي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق