الخميس، 13 يناير 2011

أنا عايش (مستوحاة من قصة حقيقية)


واقف في ذلك الطابور يشعر بملل شديـد، مع أن عدد الواقفين أمامه مجرد ثمانية أشخاص يقفون جميعاً أمام ذلك الشباك المعدني، لن يحتسب هؤلاء الثلاثون الذين يقفون خلفه في نفس الطابور، عددهم لن يؤثر عليه في شيئ إلا إذا هبط فوقه من تمكن من الحصول على مساعدة خارجية.
ليست المرة الأولى له و لن تكون الأخيرة، تعود على ذلك الطابور الغير حماسي بالنسبة له مرة كل ثلاثين يوماً، اليـوم هو أول الشهر و ميعاد قبض المرتب قد حان، الجميع يقف أمام شباك الخزنة في إنتظار أن يـتـلقف كل منهم مرتبه على أمل أن يشبع ما يمكن إشباعه من طلبات.
أخذ مرتبه و إنصرف في هدوء، يرى أن ذلك نوع من العبث، فهذه الملاليم القلية تكاد تكفيه لمدة عشرة أيام فقط، باقي الشهـر يعتمد على المصروف الذي مازال يأخذه من والده، طلب منه الجميع الصبـر، إنهالت عليه عبارات من عينة " ربك هيفرجها "، " بكرة تتعدل "، إلا أنه فقد الثقة بكل ما كان يؤمن به.
الإنتحار بدأ يلوح في الأفق، كأنه يشاور له من بعيد، لتيخلص من حياته التي يرى أنها مهينة، بعد أن كان الأول على دفعته و على مقربة من تحقيق حلمه بأن يكون معيداً في الكلية فوجئ بقرار إبعاده لتعيين قريبة العميد، بعد ان كان قد رسم لنفسه مستوى معين فوجئ بنفسه يعمل كعامل في أحد مصانع القطاع الخاص لتضيع أحلامه و تذهب أدراج الرياح.
حتى الطموح لا يمكن الوصول إليه الآن، فإما أن يظل بدون عمل عالة على والده أو أن يعمل في هذه الوظيفة على أمل تغير أفضل في المستقبل، إلا أن الوقت يسرقه و مواعيد العمل لا تسمح له بالبحث عن عمل آخـر، لذلك فكر في الإنتحار.
إعتقد أنه بذلك يـنـتـقم من المجتمع الذي ظلمه و حرمه هو و أهله من كل شيئ، المكان الوحيد الذي يـجـد فيه بعض الترفيه هي صفحته الخاصة على ذلك الموقع الإجتماعي المعـروف بالFacebook، بدأ للترويج لفكرة إنتحاره، خطط لأن يـقنـع بها أكبـر عدد ممكن من الأشخاص يـمـرون بـنـفس ظروفه الماديـة و النفسية السيئة و يشعرون بنفس المرارة التي يشعر بها في حلقه.
الكثـيـر بدأ يقنعه بحرمانية ما يفكر فيه، الكل حاول أن يـثـنـيـه، إلا أنه أصـر، إذا كانت لا توجد فائدة من الحياة فلما نعيشها من الأساس، هكذا إعتقد و بهذا آمن، أخبر الجميع أن إنتحاره سيكون كالقنبلة التي تهـز أرجاء البلد و تهدم أركان المنـزل.
إختار أول يوم في العام الجديد ليكون يوم إنتحاره، فهو يريد أن يكون أول منتحراً في هذا العام، عسى أن يوقظ إنتحاره ضمائر من ماتت عندهم الأخلاق، أو يصل صوته بذلك إلى من يهمه الأمـر، قبـل بداية العام الجديد بدقائق معدودة كتب كلماته الأخيرة مودعاً كل من عرفهم و أحبهم و عـذبهم معه.
إنفجار مهوول يهز أركان المدينة، تماماً كما وعـد، الضحايا كانوا بالعشرات تماماً كما وعـد، أصابع الإتهام تـشيـر للكثـيـريـن، كل من عرفوه سواء في الحقيقة أو من خلال صفحته الخاصة علموا أنه نفذ وعيده، و حقق ما كان يأمل أن يحققه.
في صباح اليوم التالي لذلك الحادث المروع دخلت على صفحته الخاصة، كل ما كان يدور في ذهني وقتها أنه يجب كتابة إستياء مما فعله، كنت أعلم أنه لا توجد فائدة مما أكتب فهو لن يقرأ شيئاً بعد الآن، إلا أن حالة الحزن التي كانت بداخلي دفعتني لفعل شيئ ما مهما كان غريباً، دخلت على صفحته الخاصة لأجد عبارة مدهشة أفرحتني ثم صدمتني " أنا لسة عايش، أنا ماموتش، أنا ماعملتش حاجة، مش أنا اللي فجرت القنبلة، أنا عايش، أنا عاااااااااااااااااااااااااايـش ".

بقلم م / مصطفى الطبجي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق