الخميس، 6 يناير 2011

أزمة آخـر الشهـر

نظـرتان أحدهما خارجية قد يلاحظها البعض و الأخرى داخلية لن يعلم عنـها شيئ أي شخص غيره، النظرة الأولى كانت للتاريخ الموجود أعلي يـميـن تلك الصفحة من الجريـدة التي يحملها بين يـديـه، إنـه العاشـر من يـنـايـر، النظرة الثـانـيـة كانت لجـيـبه الذي لا يـوجـد به سوى أربعة جـنـيـهات، مع أنه مازال في أول الشهـر!! لكنـه بـعـد دفـع الإيـجار و فواتـيـر الكهـربـاء و الميـاة و الغاز و مصاريف الدروس الخصوصية لولديه لم يتبقى معه سوى أربعة جنيهات، الباقي أعطاه لزوجته لكي تدبـر به مصاريـف البـيـت الذي كان يطلق عليه قديماً عش الزوجيـة.

في سكون تام أطلق تـنـهيـدة حارة كفيلة بإشعال تلك الجريدة التي يخفي بها وجهه المليئ بالهموم عن باقي زملائـه، حتى الحديث لا يـريـد مشاركته معهم، فالكلمات غصباً عنه سوف تفضح ما يجول بداخله، سوف تـفضح قـلة الحيـلة و ضيـق اليـد و سوء الحالة الإقتصادية، صفات كالأمانة و العدل و النظام و العفـة لن تـستـطيـع الإبـلاغ عن نـفسها في وسط كل هذا الفسـاد.

ضحكات زملائه العالية تـؤكـد مخـاوفه، و تخـيـف نفسيـتـه التي أصبـحت هشة، أزمة آخـر الشهـر يـبـدو أنه هو الوحيد الذي يعاني منها، على الأقل حتى الآن، هؤلاء الضاحكون بعضهم من تبدأ الأزمة معه من يوم عشرين في الشهـر، و آخريـن تـبـدأ معهم من اليوم الخامس و العشريـن، و منهم من لا يصادف تـلك الفترة العويـصة.

الفرق في المرتبات بـيـنه و بـيـن زملائه ليس بالكبـيـر، بل إنه أقدم من بعض منهم، كل ما في الأمـر أنه إلتزم بتعليمات ضميره، على العكس منهم تماماً، لم ينساق وراء حلم الدروس الخصوصية، أخرج كل ما لديه من طاقة في الحصص اليومية، خمسة و أربعون دقيقة كانت تمر عليه لا يكل و لا يمل، يحاول إيضاح كل كبـيـرة و صغـيـرة، لكن بماذا تـفـيـد الطـالـب خـمـسـة و أربعون دقيقة تختـزل أحياناً إلى أربعين دقيقة و أحياناً أخرى إلى خمسة و ثلاثون.

ألح عليه كثـيـر من الطلبة، أرادوا الإلتحاق بمعهده الخاص، كذلك كانوا يتخيلون، الحقيقة التي صدمت الجميع أنه لا يعطي دروس خصوصية، يعتبرها إهانة في حقه كمعلم و مربي فاضل، إنصرف عنه الطلبة، حتى في الحصص المدرسية إنصرفوا عنه، تركوه وحده مع أزماته الشهرية المتكررة و الجريدة التي مازال يداري بها حسرة قـلبـه.



بقلم م / مصطفى الطبـجي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق